الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما الحلف على الركوب إذا حلف لا يركب دابة فهو على الدواب التي يركبها الناس في حوائجهم في مواضع إقامتهم فإن ركب بعيرا أو بقرة لم يحنث والقياس أن يحنث في ركوب كل حيوان لأن الدابة اسم لما يدب على وجه الأرض قال الله تعالى : { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها }

                                                                                                                                وقال عز وجل : { إن شر الدواب عند الله الذين كفروا } إلا أنهم استحسنوا وحملوا اليمين على ما يركبه الناس في الأمصار ولقضاء الحوائج غالبا وهو الخيل والبغال والحمير تخصيصا للعموم بالعرف والعادة لأنا نعلم أنه ما أراد به كل حيوان فحملنا مطلق كلامه على العادة ومعلوم أن الفيل والبقرة والبعير لا يركب لقضاء الحوائج في الأمصار عادة فإن نوى في يمينه الخيل خاصة دين فيما بينه وبين الله عز وجل لأن اللفظ يحتمله ولا يدين في القضاء لأنه خلاف ظاهر العموم وإن حلف لا يركب فرسا فركب برذونا أو حلف لا يركب برذونا فركب فرسا لم يحنث لأن الفرس عبارة عن العربي والبرذون عن الشهري فصار كمن حلف لا يكلم رجلا عربيا فكلم عجميا .

                                                                                                                                ولو حلف لا يركب ، وقال نويت الخيل لا يصدق في القضاء ولا فيما بينه وبين الله عز وجل لأن الركوب ليس بمذكور فلا يحتمل التخصيص فإن حلف لا يركب الخيل فركب برذونا أو فرسا يحنث لأن الخيل اسم جنس قال الله عز وجل : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } .

                                                                                                                                وقال صلى الله عليه وسلم { الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة } والمراد به الجنس فيعم جميع أنواعه .

                                                                                                                                ولو حلف لا يركب دابة وهو راكبها فمكث على حاله ساعة واقفا أو سائرا حنث لما ذكرنا أن الركوب يحتمل الابتداء ويتجدد أمثاله وكذلك لو حلف لا يلبس وهو لابس أو لا يجلس على هذا الفراش وهو جالس لما قلنا فإن نزل عقيب يمينه أو نزع أو قام لم يحنث عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر وقد ذكرنا المسألة فيما تقدم .

                                                                                                                                ولو حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة لعبد فلان وعليه دين أو لا دين عليه لا يحنث في قول أبي حنيفة وعند محمد يحنث أما إذا كان عليه دين فلأنه لا يملكها عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف هي مضافة إلى العبد دون المولى وأما إذا لم يكن عليه دين فهي مضافة إلى العبد فلم يحنث وعند محمد هي ملك المولى حقيقة فيحنث بركوبها ولو حلف لا يركب مركبا ولا نوى شيئا فركب سفينة أو محملا أو دابة بإكاف أو سرج حنث لوجود الركوب أما في الدابة بالسرج والإكاف فلا شك فيه وأما في السفينة فلأن الله تعالى سمى ذلك ركوبا بقوله عز وجل : { وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها } والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية