الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وقال للذي ظن أنه ناج منهما " يعني الساقي .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذا الظن قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أنه بمعنى العلم ، قاله ابن عباس . والثاني : أنه الظن الذي يخالف اليقين ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " اذكرني عند ربك " أي : عند صاحبك ، وهو الملك ، وقل له : إن في السجن غلاما حبس ظلما . واسم الملك الوليد بن الريان .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " فأنساه الشيطان ذكر ربه " فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : فأنسى الشيطان الساقي ذكر يوسف لربه ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال ابن إسحاق .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : فأنسى الشيطان يوسف ذكر ربه ، وأمره بذكر الملك ابتغاء الفرج من عنده ، قاله مجاهد ، ومقاتل ، والزجاج ، وهذا نسيان عمد ، لا نسيان سهو ، وعكسه القول الذي قبله .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 228 ] قوله تعالى : " فلبث في السجن بضع سنين " أي : غير ما كان قد لبث قبل ذلك ، عقوبة له على تعلقه بمخلوق .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي البضع تسعة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : ما بين السبع والتسع ، روى ابن عباس أن أبا بكر لما ناحب قريشا عند نزول الم غلبت الروم [الروم 1،2] قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا احتطت ، فإن البضع ما بين السبع إلى التسع " . والثاني : اثنتا عشرة سنة ، قاله الضحاك عن ابن عباس . والثالث : سبع سنين ، قاله عكرمة . والرابع : أنه ما بين الخمس إلى السبع ، قاله الحسن . والخامس : أنه ما بين الأربع إلى التسع ، قاله مجاهد . والسادس : ما بين الثلاث إلى التسع ، قاله الأصمعي ، والزجاج . والسابع : أن يكون البضع بين الثلاث والتسع والعشر ، قاله قتادة . والثامن : أنه ما دون العشرة ، قاله الفراء ، وقال الأخفش : البضع : من واحد إلى عشرة . والتاسع : أنه ما لم يبلغ العقد ولا نصفه ، قاله أبو عبيدة . قال ابن قتيبة : يعني ما بين الواحد إلى الأربعة . وروى الأثرم عن أبي عبيدة : البضع : ما بين ثلاث وخمس .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي جملة ما لبث في السجن ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : اثنتا عشرة سنة ، قاله ابن عباس . والثاني : أربع عشرة ، قاله الضحاك . والثالث : سبع سنين ، قاله قتادة . قال مالك بن دينار : لما قال يوسف [ ص: 229 ] للساقي " اذكرني عند ربك " ، قيل له : يا يوسف ، أتخذت من دوني وكيلا ؟ لأطيلن حبسك ، فبكى ، وقال : يارب ، أنسى قلبي كثرة البلوى ، فقلت كلمة ، فويل لإخوتي .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية