الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قالوا إنما أنت من المسحرين ( 153 ) ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين ( 154 ) قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ( 155 ) ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم ( 156 ) فعقروها فأصبحوا نادمين ( 157 ) فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين ( 158 ) وإن ربك لهو العزيز الرحيم ( 159 ) )

يقول تعالى مخبرا عن ثمود في جوابهم لنبيهم صالح ، عليه السلام ، حين دعاهم إلى عبادة ربهم ( قالوا إنما أنت من المسحرين ) . قال مجاهد ، وقتادة : يعنون من المسحورين .

وروى أبو صالح ، عن ابن عباس : ( من المسحرين ) : يعني من المخلوقين ، واستشهد بعضهم على هذا القول بما قال الشاعر :

فإن تسألينا : فيم نحن ؟ فإننا عصافير من هذا الأنام المسحر



[ ص: 157 ]

يعني الذين لهم سحور ، والسحر : هو الرئة .

والأظهر في هذا قول مجاهد وقتادة : أنهم يقولون : إنما أنت في قولك هذا مسحور لا عقل لك .

ثم قالوا : ( ما أنت إلا بشر مثلنا ) يعني : فكيف أوحي إليك دوننا ؟ كما قالوا في الآية الأخرى : ( أؤلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ) [ القمر : 25 ، 26 ] .

ثم إنهم اقترحوا عليه آية يأتيهم بها ، ليعلموا صدقه بما جاءهم به من ربهم فطلبوا منه - وقد اجتمع ملؤهم - أن يخرج لهم الآن من هذه الصخرة - وأشاروا إلى صخرة عندهم - ناقة عشراء من صفتها كذا وكذا . فعند ذلك أخذ عليهم نبي الله صالح العهود والمواثيق ، لئن أجابهم إلى ما سألوا ليؤمنن به ، [ وليصدقنه ] ، وليتبعنه ، فأنعموا بذلك . فقام نبي الله صالح ، عليه السلام ، فصلى ، ثم دعا الله عز وجل ، أن يجيبهم إلى سؤالهم ، فانفطرت تلك الصخرة التي أشاروا إليها عن ناقة عشراء ، على الصفة التي وصفوها . فآمن بعضهم وكفر أكثرهم ، ( قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ) يعني : ترد ماءكم يوما ، ويوما تردونه أنتم ، ( ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم ) فحذرهم نقمة الله إن أصابوها بسوء ، فمكثت الناقة بين أظهرهم حينا من الدهر ترد الماء ، وتأكل الورق والمرعى . وينتفعون بلبنها ، يحتلبون منها ما يكفيهم شربا وريا ، فلما طال عليهم الأمد وحضر شقاؤهم ، تمالئوا على قتلها وعقرها .

( فعقروها فأصبحوا نادمين فأخذهم العذاب ) وهو أن أرضهم زلزلت زلزالا شديدا ، وجاءتهم صيحة عظيمة اقتلعت القلوب عن محالها ، وأتاهم من الأمر ما لم يكونوا يحتسبون ، فأصبحوا في ديارهم جاثمين ، ( إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية