الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1296 - مسألة : ولا يجوز استئجار شاة أو بقرة أو ناقة أو غير ذلك - لا واحدة ولا أكثر - للحلب أصلا ; لأن الإجارة إنما هي في المنافع خاصة ، لا في تملك الأعيان ، وهذا تملك اللبن ، وهو عين قائمة ، فهو بيع لا إجارة ، وبيع ما لم ير قط ، ولا تعرف صفته باطل . - وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي .

                                                                                                                                                                                          ولم يجز مالك إجارة الشاة ولا الشاتين للحلب ، وأجاز إجارة القطيع من ذوات اللبن للحلب - وأجاز استئجار البقرة للحرث ، واشتراط لبنها - وهذا كله خطأ وتناقض ; لأنه فرق بين القليل والكثير بلا برهان أصلا .

                                                                                                                                                                                          ثم لم يأت بحد بين ما حرم وما حلل ، فمزج الحرام بالحلال بغير بيان ، وهذا كما ترى ؟ [ ص: 13 ] وفرض على كل من حلل وحرم أن يبين للناس ما يحرم عليهم مما يحل لهم إن كان يعرف ذلك ، فإن لم يعرفه فالسكوت هو الواجب الذي لا يحل غيره .

                                                                                                                                                                                          ثم أجاز ذلك في الرأس الواحد من البقر - وهذا تناقض فاحش .

                                                                                                                                                                                          وكذلك أجاز كراء تكون فيها الشجرة أو النخلة واستثناء ثمرتها وإن لم تكن فيها حين الإجارة ثمرة إذا كانت الثمرة أقل من ثلث الكراء وإلا فلا يجوز - ولا يعرف هذا التقسيم عن أحد قبله ولا دليل على صحة شيء منه ، ولئن كان الكثير مما ذكرنا حلالا فالقليل من الحلال حلال ، وإن كان حراما فالقليل من الحرام حرام .

                                                                                                                                                                                          وهذا بعينه أنكروا على الحنيفيين إذا أباحوا القليل مما يسكر كثيره وقد وافقونا على أنه لا يحل كراء الطعام ليؤكل - فما الفرق بين ذلك وبين ما أباحوه من كراء الدار بالثمرة التي لم تخلق فيها لتؤكل ، وبين كراء الغنم لتحلب .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : قسنا ذلك على استئجار الظئر . قلنا : القياس كله باطل ، ثم لو كان حقا لكان ههنا باطلا لأن أصح القياس ههنا - : أن يقاس استئجار الشاة الواحدة للحلب على استئجار الظئر الواحدة للرضاع فحرمتم ذلك ، ثم قستم حيث لا تشابه بينهما من البقرة للحدث ومن القطيع الكثير عدده ، والعلة المانعة عندهم من إجارة الرأس الواحد للحلب موجودة في الظئر ولا فرق ، وما رأينا أجهل بالقياس ممن هذا قياسه - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية