الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        750 [ ص: 141 ] ( 12 ) باب القران في الحج

                                                                                                                        711 - مالك ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ; أن المقداد بن الأسود دخل على علي بن أبي طالب بالسقيا ، وهو ينجع بكرات له دقيقا وخبطا ، فقال : هذا عثمان بن عفان ينهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة . فخرج علي بن أبي طالب وعلى يديه أثر الدقيق والخبط . فما أنسى أثر الدقيق والخبط على ذراعيه ، حتى دخل على عثمان بن عفان ، فقال : أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة ؟ فقال عثمان : ذلك رأيي فخرج علي مغضبا ، وهو يقول : لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معا .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        15753 - هذا الحديث منقطع ، لأن محمد بن علي بن حسين أبا جعفر لم يدرك المقداد ولا عليا .

                                                                                                                        15754 - وقد روي من وجوه ، منها : ما حدثنا عبد الله بن محمد بن أمية ، [ ص: 142 ] [ ص: 143 ] قال : حدثنا حمزة بن محمد ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا أحمد بن إبراهيم ، قال : أخبرنا أبو عامر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، قال : سمعت علي بن الحسين يحدث ، عن مروان أن عثمان نهى عن المتعة ، وأن يجمع الرجل بين الحج والعمرة ، فقال عمر : لبيك بحجة وعمرة معا ، فقال عثمان أتفعلهما وأنا أنهي عنهما ؟ وقال علي : لم أكن لأدع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأحد من الناس .

                                                                                                                        15755 - ومنها حديث الثوري ، عن بكير بن عطاء الليثي ، قال : أخبرني حريث بن سليم الفروي ، قال : نهى عثمان عن أن يقرن بين الحج والعمرة فسمعت عليا يقول : اللهم لبيك بحجة وعمرة ، قال عثمان : إنك ممن ينظر إليه . قال علي : وأنت ممن ينظر إليه .

                                                                                                                        ذكره عبد الرزاق ، عن الثوري .

                                                                                                                        [ ص: 144 ] 15756 - وذكر ابن أبي شيبة ، قال : أخبرني الحكم بن عتيبة ، عن علي بن حسين ، عن مروان ، عن علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرن بين الحج والعمرة ، وأن عليا فعل ذلك أيضا ، فعاب ذلك عليه عثمان ، فقال علي : ما كنت لأدع شيئا رسول الله - صلى الله عليه - وسلم يفعله .

                                                                                                                        15757 - وذكر البخاري ، قال : حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا غندر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن علي بن حسين ، عن مروان بن الحكم ، قال : شهدت عثمان وعليا - رضي الله عنهما - وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما ، فلما رأى ذلك علي أهل بهما : لبيك بعمرة [ ص: 145 ] وحجة . وقال : ما كنت لأدع سنة النبي ( عليه السلام ) لقول أحد .

                                                                                                                        [ ص: 146 ] 15758 - قال : وحدثنا قتيبة بن محمد ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : اختلف علي ، وعثمان وهما بعسفان فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعا .

                                                                                                                        15759 - ومما دل على صحة هذا ما حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال حدثنا يحيى بن معين ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، قال حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب ، قال : كنت مع علي ( رضي الله عنه ) إذ أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على اليمن ، قال : فأصبت معه أواقي ، فلما قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجد فاطمة قد لبست ثيابا صبيغا ونضحت البيت بنضوح ، فقال مالك : قالت : فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر أصحابه أن يحلوا . قال : قلت لها : إني أهللت بإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي : " كيف صنعت ؟ " ، قال : قلت له أهللت بإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال : " فإني قد سقت الهدي وقرنت . . " وذكر تمام الحديث .

                                                                                                                        15760 - وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد ، قال حدثنا حمزة ، قال : حدثنا [ ص: 147 ] أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا معاوية بن صالح ، قال : حدثنا يحيى بن معين ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، قال : حدثنا يونس بن إسحاق ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، قال كنت مع علي بن أبي طالب على اليمن ، فلما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال علي : فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كيف صنعت ؟ " ، قال : أهللت بإهلالك . قال : " فإني سقت الهدي وقرنت " .

                                                                                                                        15761 - عبد الله بن محمد ، قال حدثنا ابن حمران ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني حجاج بن محمد ، قال : حدثنا ليث بن سعد ، قال : حدثنا يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي عمران مولى تجيب ، قال : حججت مع موالي ، فدخلت على أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمعتها تقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أهلوا يا آل محمد بعمرة في حج " .

                                                                                                                        15762 - وروى سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، قال : سمعت عبد الله بن أبي أوفى بالكوفة يقول : إنما جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الحج والعمرة ; لأنه علم أنه لا يحج بعدها أبدا .

                                                                                                                        15763 - ومما يدل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قارنا من رواية مالك حديثه عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 148 ] عام حجة الوداع ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا .

                                                                                                                        15764 - ومعلوم أنه كان معه هدي ساقه - صلى الله عليه وسلم - ، ومحال أن يأمر من كان معه هدي بالقران ومعه الهدي ولا قارنا .

                                                                                                                        15765 - وحديث مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن حفصة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إني قلدت هديا ولبدت رأسي ، فلا أحل حتى أنحر هديي " .

                                                                                                                        وسيأتي في موضعه إن شاء الله .

                                                                                                                        15766 - وحديث أنس ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبي بهما جميعا : لبيك عمرة وحجة .

                                                                                                                        15767 - قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو قلابة ، قال : حدثنا سعيد بن عامر ، قال : حدثني حبيب بن الشهيد ، عن بكر بن عبد الله المزني ، عن أنس بن مالك ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لبيك حجة وعمرة . فذكرت ذلك لابن عمر فقال : إنما أهل بالحج . فذكرت ذلك لأنس [ ص: 149 ] فقال : ما يعدونا إلا صبيانا .

                                                                                                                        15768 - وحدثني عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، وعارم ، قالا : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس ، قال : سمعتهم يصرخون بهما جميعا .

                                                                                                                        15769 - وذكره البخاري عن معاذ بإسناده .

                                                                                                                        15770 - وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا نصر بن محمد ، قال : حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا الأشعث : أن الحسن حدثهم ، عن أنس بن مالك : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرن بين الحج والعمرة ، وقرن القوم معه ، فلما قدموا مكة قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أحلوا " فهاب القوم ; فقال : لولا أن معي هديا لأحللت ، فحل القوم حتى حلوا إلى النساء .

                                                                                                                        15771 - قال أبو عمر : قوله في هذا الحديث : " وقرن القوم معه يعني من كان معه هدي منهم ، وقالوا : " أحلوا " لمن لم يكن معه هدي .

                                                                                                                        15772 - فهذا بين في هذا الحديث ، وفي كثير من الأحاديث ، وحديث [ ص: 150 ] حفصة في القران وقولها : ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك ؟ فقال : " إني لبدت رأسي وقلدت هديا فلا أحل حتى أنحر " . هذا لفظ حديث مالك .

                                                                                                                        15773 - حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال حدثنا بكر قال حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى - يعني - القطان ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن حفصة ، قالت : قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك ؟ قال : ( إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلم أحل حتى أحل من الحج ) .

                                                                                                                        15774 - وحديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أتاني آت عن ربي الليلة ، فقال : صل في أصل هذا الوادي المبارك ، وهو بالعقيق ، وقل عمرة في حجة .

                                                                                                                        15775 - وقول عمر للصبي بن معبد إذ سأله عن قران الحج والعمرة وأنه قرنهما فأنكر ذلك عليه سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان ، فقال له عمر حين ذكر له ذلك : هديت لسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        15776 - فلهذه الآثار وما كان مثلها رأى علي قران الحج والعمرة ، وقال : لم [ ص: 151 ] أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        15777 - ومثل ذلك حديث مالك عن نافع ، عن ابن عمر ، عن حفصة .

                                                                                                                        15778 - وفي حديث هذا الباب ما كان عليه علي ( رضي الله عنه ) من التواضع في خدمته لنفسه وامتهانه لها ، وذلك من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        15779 - قيل لعائشة ( رضي الله عنها ) ; كيف كان يصنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته ؟ قالت : كان يخيط ثوبه ويصلح نعله ، ويصنع ما يصنع أحدكم في بيته .

                                                                                                                        15780 - وفيه من الفقه : أن من سمع إنكار شيء في الدين يعتقد جوازه عن صحته أن يبينه على من أنكره ، ويستعين من يعينه على إظهار ما استتر منه .

                                                                                                                        15781 - وذلك أن المقداد كان قد علم أن من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القران ، وذلك من المباح المعمول به ، فذكر ذلك لعلي ، فرأى علي أن يحرم قارنا ليظهر إلى الناس أن الذي نهى عنه عثمان نهي اختيار لا أنه نهي عن حرام لا يجوز ، ولا عن مكروه لا يحل . وخوفا من أن يكون القران يدرس ويفنى ، لما كان عليه الثلاثة الخلفاء من الاختيار فتضيع سنة من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        15782 - وعسى أن يكون علي قد كان يذهب إلى أن القران ليس بدون الإفراد في الفضل ، أو لعله عنده كان أفضل من الإفراد .

                                                                                                                        15783 - وقد قدمنا في الباب قبل هذا ذكر القائلين بذلك ، وذكرنا الآثار التي [ ص: 152 ] ورد فيها القران عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .




                                                                                                                        الخدمات العلمية