الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد )

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أن هذه الآية من باب الترغيب والترهيب ، ومن تمام الكلام الذي تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                            وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : ذكروا في العامل في قوله : ( يوم ) وجوها :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قال ابن الأنباري : اليوم متعلق بالمصير والتقدير : وإلى الله المصير يوم تجد .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : العامل فيه قوله ( ويحذركم الله نفسه ) في الآية السابقة ، كأنه قال : ويحذركم الله نفسه في ذلك اليوم .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : العامل فيه قوله : ( والله على كل شيء قدير ) أي قدير في ذلك اليوم الذي تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ، وخص هذا اليوم بالذكر ، وإن كان غيره من الأيام بمنزلته في قدرة الله تعالى تفضيلا له لعظم شأنه كقوله : ( مالك يوم الدين ) [الفاتحة : 4 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : أن العامل فيه قوله : ( تود ) والمعنى : تود كل نفس كذا وكذا في ذلك اليوم .

                                                                                                                                                                                                                                            الخامس : يجوز أن يكون منتصبا بمضمر ، والتقدير : واذكر يوم تجد كل نفس .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : اعلم أن العمل لا يبقى ، ولا يمكن وجدانه يوم القيامة ، فلا بد فيه من التأويل وهو من [ ص: 15 ] وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه يجد صحائف الأعمال ، وهو قوله تعالى : ( إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) [الجاثية : 29 ] وقال : ( فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه ) [المجادلة : 6 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أنه يجد جزاء الأعمال . وقوله تعالى : ( محضرا ) يحتمل أن يكون المراد أن تلك الصحائف تكون محضرة يوم القيامة ، ويحتمل أن يكون المعنى : أن جزاء العمل يكون محضرا ، كقوله : ( ووجدوا ما عملوا حاضرا ) وعلى كلا الوجهين ، فالترغيب والترهيب حاصلان .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية