الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " قالوا سنراود عنه أباه " أي : نطلبه منه ، والمراودة : الاجتهاد في الطلب .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله : " وإنا لفاعلون " ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أن المعنى : وإنا لجاؤوك به ، وضامنون لك المجيء به ، هذا مذهب الكلبي .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنه توكيد ، قاله الزجاج ، فعلى هذا ، يكون الفعل الذي ضمنوه عائدا إلى المراودة ، فيصح معنى التوكيد .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : وإنا لمديمون المطالبة به لأبينا ، ومتابعون المشورة عليه بتوجيهه ، وهذا غير المراودة ، ذكره ابن الأنباري .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل : كيف جاز ليوسف أن يطلب أخاه ، وهو يعلم مافي ذلك من إدخال الحزن على أبيه ؟ فعنه خمسة أجوبة :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أنه يجوز أن يكون ذلك بأمر عن الله تعالى زيادة لبلاء يعقوب ليعظم ثوابه ، وهذا الأظهر .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 249 ] والثاني : أنه طلبه لا ليحبسه ، فلما عرفه قال : لا أفارقك يا يوسف ، قال : لا يمكنني حبسك إلا أن أنسبك إلى أمر فظيع ، قال : افعل ما بدا لك ، قاله كعب .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أن يكون قصد تنبيه يعقوب بذلك على حال يوسف .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع : ليتضاعف سرور يعقوب برجوع ولديه .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس : ليعجل سرور أخيه باجتماعه به قبل إخوته . وكل هذه الأجوبة مدخولة ، إلا الأول ، فإنه الصحيح . ويدل عليه ما روينا عن وهب بن منبه ، قال : لما جمع الله بين يوسف ويعقوب ، قال له : يعقوب بيني وبينك هذه المسافة القريبة ، ولم تكتب إلى تعرفني ؟! فقال : إن جبريل أمرني أن لا أعرفك ، فقال له : سل جبريل ، فسأله ، فقال : إن الله أمرني بذلك ، فقال : سل ربك ، فسأله ، فقال : قل ليعقوب خفت عليه الذئب ، ولم تؤمني ؟

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية