الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون

                                                                                                                                                                                                                                      وقل اعملوا زيادة ترغيب لهم في العمل الصالح الذي من جملته التوبة، وللأولين في الثبات على ما هم عليه، أي: قل لهم - بعدما بان لهم شأن التوبة -: اعملوا ما تشاءون من الأعمال، فظاهره ترخيص وتخيير، وباطنه ترغيب وترهيب، وقوله عز وجل: فسيرى الله عملكم أي: خيرا كان أو شرا، تعليل لما قبله وتأكيد للترغيب والترهيب، والسين للتأكيد ورسوله عطف على الاسم الجليل، وتأخيره عن المفعول للإشعار بما بين الرؤيتين من التفاوت والمؤمنون في الخبر: «لو أن رجلا عمل في صخرة لا باب لها ولا كوة لخرج عمله إلى الناس كائنا ما كان» والمعنى: أن أعمالكم غير خافية عليهم كما رأيتم وتبين لكم، ثم إن كان المراد بالرؤية معناها الحقيقي فالأمر ظاهر، وإن أريد بها مآلها من الجزاء خيرا أو شرا فهو خاص بالدنيوي من إظهار المدح والثناء والذكر الجميل والإعزاز ونحو ذلك من الأجزية وأضدادها.

                                                                                                                                                                                                                                      وستردون أي: بعد الموت إلى عالم الغيب والشهادة في وضع الظاهر موضع المضمر من تهويل [ ص: 101 ] الأمر وتربية المهابة ما لا يخفى، ووجه تقديم الغيب في الذكر لسعة عالمه وزيادة خطره على الشهادة غني عن البيان، وقيل: إن الموجودات الغائبة عن الحواس علل، أو كالعلل للموجودات المحسوسة، والعلم بالعلل علة للعلم بالمعلولات، فوجب سبق العلم بالغيب على العلم بالشهادة.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: الغيب ما يسرونه من الأعمال، والشهادة ما يظهرونه، كقوله تعالى: يعلم ما يسرون وما يعلنون فالتقديم حينئذ لتحقيق أن نسبة علمه المحيط بالسر والعلن واحدة على أبلغ وجه وآكده لا لإيهام أن علمه سبحانه بما يسرونه أقدم منه بما يعلنونه، كيف لا وعلمه سبحانه بمعلوماته منزه عن أن يكون بطريق حصول الصورة، بل وجود كل شيء وتحققه في نفسه علم بالنسبة إليه تعالى، وفي هذا المعنى لا يختلف الحال بين الأمور البارزة والكامنة، وإما للإيذان بأن رتبة السر متقدمة على رتبة العلن، إذ ما من شيء يعلن إلا وهو - أو مبادؤه القريبة أو البعيدة - مضمر قبل ذلك في القلب، فتعلق علمه تعالى به في حالته الأولى متقدم على تعلقه به في حالته الثانية فينبئكم عقيب الرد الذي هو عبارة عن الأمر الممتد إلى يوم القيامة بما كنتم تعملون قبل ذلك في الدنيا، والمراد بالتنبئة بذلك الجزاء بحسبه إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فهو وعد ووعيد.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية