الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1306 - مسألة : ولا تجوز الإجارة على الحجامة ، ولكن يعطى على سبيل طيب النفس وله طلب ذلك ، فإن رضي وإلا قدر عمله بعد تمامه لا قبل ذلك وأعطي ما يساوي .

                                                                                                                                                                                          وكذلك لا تحل الإجارة على إنزاء الفحل أصلا ، لا نزوة ولا نزوات معلومة ، فإن كان العقد إلى أن تحمل الأنثى كان ذلك أبلغ في الحرام والباطل وأكل السحت - : لما روينا من طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم قال : سمعت ابن أبي نعم قال : سمعت أبا هريرة يقول : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام وثمن الكلب وعسب الفحل } .

                                                                                                                                                                                          وروينا النهي عن عسب الفحل ، وكسب الحجام من طرق كثيرة ثابتة عن رسول [ ص: 17 ] الله صلى الله عليه وسلم : وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد ، وأبو سليمان : لا تجوز الإجارة على ضراب الفحل .

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن شوذب أبي معاذ قال : قال لي البراء بن عازب : لا يحل عسب الفحل .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق الأعمش عن عطاء بن أبي رباح قال : قال أبو هريرة { أربع من السحت ، ضراب الفحل ، وثمن الكلب ، ومهر البغي ، وكسب الحجام } .

                                                                                                                                                                                          وقال عطاء : لا تعطه على طراق الفحل أجرا إلا أن لا تجد من يطرقك وهو قول قتادة .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد وأباح مالك الأجرة على ضراب الفحل كرات مسماة - وما نعلم لهم حجة أصلا ، لا من نص ولا من نظر .

                                                                                                                                                                                          ورووا رواية فاسدة موضوعة من طريق عبد الملك بن حبيب - وهو هالك - عن طلق بن السمح ولا يدرى من هو ؟ عن عبد الجبار بن عمر - وهو ضعيف - : أن ربيعة أباح ذلك - وذكره عن عقيل بن أبي طالب : أنه كان له تيس ينزيه بالأجرة .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : قد أجل الله قدر عقيل في نسبه وعلو قدره عن أن يكون تياسا يأخذ الأجرة على قضيب تيسه .

                                                                                                                                                                                          وأما أجرة الحجام فقد ذكرنا عن أبي هريرة تحريمها - وروي عن عثمان أمير المؤمنين أيضا - وعن غيره من الصحابة رضي الله عنهم . [ ص: 18 ] وروينا عن ابن عباس إباحة كسبه .

                                                                                                                                                                                          واحتج من أباحه بما روينا عن طريق شعبة عن حميد الطويل عن أنس قال : { دعا النبي صلى الله عليه وسلم غلاما فحجمه فأمر له بصاع أو صاعين ، وكلم فيه فخفف من خراجه } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فاستعمال الخبرين واجب فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه عن غير مشارطة فكانت مشارطته لا تجوز ، ولأنه أيضا عمل مجهول ، ولا خلاف في أن ذلك الحديث ليس على ظاهره ; لأن فيه النهي عن كسب الحجام جملة وقد يكسب من ميراث ، أو من سهم من المغنم ، ومن ضيعة ، ومن تجارة ، وكل ذلك مباح له بلا شك .

                                                                                                                                                                                          ولم تحرم الحجامة قط بلا خلاف ولا بد له من كسب يعيش منه ، وإلا مات ضياعا ، فصح أن كسبه بالحجامة خاصة هو المنهي عنه فوجب أن يستثنى من ذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون حلالا حسنا ويكون ما عداه حراما - كما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا وكيع نا معمر بن سالم عن أبي جعفر - هو ابن محمد بن علي بن الحسين - قال : لا بأس بأن يحتجم الرجل ولا يشارط - وهو قول أبي سليمان ، وأصحابنا .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية