الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وإن إلياس لمن المرسلين إذ قال لقومه ألا تتقون أتدعون بعلا [ ص: 64 ] وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم ورب آبائكم الأولين فكذبوه فإنهم لمحضرون إلا عباد الله المخلصين وتركنا عليه في الآخرين سلام على إل ياسين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: وإن إلياس لمن المرسلين فيه قولان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنه إدريس قاله ابن عباس وقتادة ، وهي قراءة ابن مسعود : وابن إدريس.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه من ولد هارون ، قاله محمد بن إسحاق ، قال مقاتل: هو إلياس بن بحشر ، وقال الكلبي هو عم اليسع. وجوز قوم أن يكون هو إلياس بن مضر. وقيل لما عظمت الأحداث في بني إسرائيل بعد حزقيل بعث الله إليهم إلياس عليه السلام نبيا ، وتبعه اليسع وآمن به ، فلما عتا عليه بنو إسرائيل دعا ربه أن يقبضه إليه ففعل وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وصار مع الملائكة إنسيا ملكيا ، أرضيا سماويا ، والله أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: أتدعون بعلا فيه ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: يعني ربا ، قاله عكرمة ومجاهد . قال مقاتل هي لغة أزد شنوءة، وسمع ابن عباس رجلا من أهل اليمن يسوم ناقة بمنى فقال: من بعل هذه أي ربها، ومنه قول أبي دؤاد

                                                                                                                                                                                                                                        ورأيت بعلك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه صنم يقال له بعل كانوا يعبدونه وبه سميت بعلبك، قاله الضحاك وابن زيد وقال مقاتل: كسره إلياس وذهب.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنه اسم امرأة كانوا يعبدونها، قاله ابن شجرة.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 65 ] وتذرون أحسن الخالقين فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: من قيل له خالق.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أحسن الصانعين لأن الناس يصنعون ولا يخلقون.

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: سلام على إل ياسين قرأ نافع وابن عامر: سلام على آل ياسين بفتح الهمزة ومدها وكسر اللام ، وقرأ الباقون بكسر الهمزة وتسكين اللام ، وقرأ الحسن : سلام على ياسين بإسقاط الألف واللام ، وقرأ ابن مسعود : سلام على إدراسين ، لأنه قرأ وإن إدريس لمن المرسلين.

                                                                                                                                                                                                                                        فمن قرأ إلياس ففيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنه جمع يدخل فيه جميع آل إلياس بمعنى أن كل واحد من أهله يسمى إلياس.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه إلياس فغير بالزيادة لأن العرب تغير الأسماء الأعجمية بالزيادة كما يقولون ميكال وميكاييل وميكائين. قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        يقول أهل السوق لما جينا     هذا ورب البيت إسرائينا

                                                                                                                                                                                                                                        ومن قرأ "آل ياسين" ففي قراءته وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنهم آل محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنهم آل إلياس.

                                                                                                                                                                                                                                        فعلى هذا في دخول الزيادة في ياسين وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنها زيدت لتساوي الآي ، كما قال في موضع "طور سيناء" ، وفي موضع آخر "طور سينين" ، فعلى هذا يكون السلام على أهله دونه وتكون الإضافة إليه تشريفا له.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنها دخلت للجمع فيكون داخلا في جملتهم ويكون السلام عليه وعليهم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية