الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( فصل يجب بالسنة صاع أو جزؤه ) ش لما فرغ - رحمه الله - من الكلام على زكاة الأموال أتبع ذلك بالكلام على زكاة الأبدان ، وهي زكاة الفطر وسميت بذلك لوجوبها بسبب الفطر ويقال [ ص: 365 ] لها صدقة الفطر وبه عبر ابن الحاجب ، قال بعضهم : كأنها من الفطرة بمعنى الخلقة وكأنه يعني أنها متعلقة بالأبدان ويمكن أن يوجه بكونها تجب بالفطر كما تقدم ، واختلف في حكمها فالمشهور من المذهب أنها واجبة لحديث الموطإ عن ابن عمر { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر من رمضان } ، وقيل : سنة ، وحمل قوله فرض على التقدير أي قدر وهو بعيد لا سيما ، وقد خرج الترمذي { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي في فجاج مكة ألا إن صدقة الفطر من رمضان واجبة على كل مسلم } ، وعلى القول المشهور بوجوبها فاختلف في دليل الوجوب ، فالمشهور أنها واجبة بالسنة كما تقدم ، وقيل بالقرآن وعلى وجوبها بالقرآن ، فقيل بعموم آية الزكاة ، وقيل بآية تخصها وهي قوله { قد أفلح من تزكى } أي أخرج زكاة الفطر { وذكر اسم ربه فصلى } أي صلاة العيد ، والظاهر أن المراد بقوله تزكى في الآية أي تزكى بالإسلام وصلى الصلوات الخمس ، قال اللخمي : وهو الأشبه لقوله " تزكى " وإنما يقال لمن أدى الزكاة : زكى ، على أنه ليس في الآية أمر ، وإنما تضمنت مدح من فعل ذلك ، ويصح المدح بالمندوب ، وإلى تشهير القول بوجوبها والقول بأن دليل الوجوب السنة أشار المصنف بقوله " يجب بالسنة " .

                                                                                                                            ( فرع ) قال ابن يونس : لا يقاتل أهل البلد على منع زكاة الفطر ، انتهى . وحكمة مشروعيتها الرفق بالفقراء في إغنائهم عن السؤال يوم الفطر ، وأركانها أربعة : المخرج بفتح الراء ، والمخرج بكسرها ، والوقت المخرج فيه ، ومن تدفع إليه ، وتكلم المصنف على جميعها فبدأ بالكلام على الركن الأول وهو المخرج بفتح الراء ويتعلق بالكلام باعتبار قدره وجنسه ونوعه فبدأ بالكلام على قدره ، فقال : إنه صاع أو جزؤه ، يعني : أن الواجب في زكاة الفطر قدره صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم أو جزء صاع ، ولا يجب أكثر من ذلك ، أما الصاع ففي حق المسلم الحر القادر عليه عن نفسه وعن كل واحد ممن تلزمه نفقته بسبب من الأسباب الآتية ، وأما جزء الصاع ففي العبد المشترك والمعتق بعضه كما سيأتي وفي حق من لم يجد إلا جزء صاع ، قاله في الطراز : ومن قدر على بعض الزكاة خرجه على ظاهر المذهب لقوله صلى الله عليه وسلم { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } ، انتهى . وحمل الشارح والبساطي والأقفهسي كلام المصنف على هذا الأخير ، وقال ابن غازي : حمله على الواجب على سيد العبد المشترك والمبعض أولى من حمله على ما قاله سند ، ولو أراده المصنف لقال " أو بعضه " قلت : وحمله على ما ذكرناه أولى فيكون مراده بيان قدر الواجب في زكاة الفطر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية