الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الذي نالوا به الإقبال من مولاهم عليهم - مما وصفهم به [من الضيق وما معه] - هو التقوى والصدق في الإيمان كما كان ما يجده الإنسان في نفسه مما الموت عنده والقذف في النار أحب إليه من التلفظ به صريح الإيمان بشهادة المصطفى صلى الله عليه وسلم، رغب سبحانه في الصدق فقال: يا أيها الذين آمنوا أي ادعوا ذلك اتقوا الله أي خافوا سطوة من له العظمة الكاملة تصديقا لدعواكم فلا تفعلوا إلا ما يرضيه وكونوا أي كونا صادقا بجميع الطبع والجبلة مع الصادقين أي في كل أمر يطلب منهم، ولعله أخرج الأمر مخرج العموم ليشمل [ ص: 42 ] كل مؤمن، فمن كان مقصرا كانت آمرة له باللحاق، ومن كان مسابقا كانت حاثة له على حفظ مقام الاستباق، ولعله عبر ب " مع " ليشمل أدنى الدرجات، وهو الكون بالجث، وقد روى البخاري توبة كعب أحد هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم في مواضع من صحيحه منها التفسير، وكذا رواه غيره عن كعب نفسه رضي الله عنه: « أنه لم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط غير غزوتين: غزوة العسرة - يعني هذه - وغزوة بدر . وأن تخلفه ببدر إنما كان لأن النبي صلى الله عليه وسلم] لم يندب الناس إليها ولا حثهم عليها؛ لأنه ما خرج أولا إلا لأجل العير، قال: فأجمعت صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان قل ما يقدم من سفر سافره إلا ضحى، وكان يبدأ بالمسجد فيركع ركعتين، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلامي وكلام صاحبي - يعني مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي - ولم ينه عن كلام أحد من المتخلفين غيرنا، فاجتنب الناس كلامنا فلبثت كذلك حتى طال علي الأمر، وما من شيء أهم إلي من أن أموت فلا يصلي علي النبي صلى الله عليه وسلم أو يموت النبي صلى الله عليه وسلم فأكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلي علي، فأنزل الله عز وجل توبتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم حين بقي الثلث الآخر من الليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة رضي الله عنها، وكانت أم سلمة [ ص: 43 ] محسنة في شأني معنية في أمري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أم سلمة ! تيب على كعب ، قالت: أفلا أرسل إليه فأبشره؟ قال: «إذن يحطمكم الناس فيمنعوكم النوم سائر الليلة». حتى إذا صلى رسول الله صلى عليه وسلم صلاة الفجر آذن بتوبة الله علينا، وكان إذا استبشر استنار وجهه حتى كأنه قطعة من القمر، وكنا - أيها الثلاثة الذين خلفوا - خلفنا عن الأمر الذي قبل من هؤلاء الذين اعتذروا حين أنزل الله لنا التوبة، فلما ذكر الذين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المتخلفين واعتذروا بالباطل ذكروا بشر ما ذكر به أحد، قال الله عز وجل: يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية