الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1724 حديث سادس لأبي حازم

مالك ، عن أبي حازم بن دينار ، عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بشراب فشرب منه ، وعن يمينه غلام ، وعن يساره الأشياخ ، فقال للغلام : أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ، فقال : لا والله [ ص: 121 ] يا رسول الله ، لا أوثر بنصيبي منك أحدا ، قال : فتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يده .

التالي السابق


روى ابن أبي حازم هذا الحديث ، عن أبيه ، فقال فيه : وعن يساره أبو بكر ، ثم ساق معنى حديث مالك سواء ، وذكر أبي بكر في هذا الحديث عندهم خطأ ، وإنما هو محفوظ في حديث ابن شهاب ، وقد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب ابن شهاب ، عن أنس .

أخبرنا يحيى بن يوسف ، قال : حدثنا يوسف بن أحمد ، قال : حدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا أحمد بن منيع ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا علي بن زيد ، عن عمر بن أبي حرملة ، عن ابن عباس ، قال : دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ميمونة ، فجاءتنا بإناء من لبن ، فشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا عن يمينه وخالد عن شماله ، فقال لي : الشربة لك ، وإن شئت آثرت بها خالدا ، فقلت : ما كنت لأوثر بسؤرك أحدا ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أطعمه الله طعاما ، فليقل اللهم بارك لنا فيه ، وأطعمنا خيرا منه ، ومن سقاه الله لبنا ، فليقل اللهم بارك لنا فيه ، وزدنا منه ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن ، ولا يجوز عندي لأحد شرب ماء أو لبنا [ ص: 122 ] أو غير ذلك من الأشربة الحلال - وحوله من يريد أن يشرب من ذلك معه ممن به الحاجة إليه ، أو ليس به حاجة إليه إذا وسعهم ذلك الشراب - أن يناول من على يساره البتة بحال ، فاضلا كان أو مفضولا ، حتى يشاور من على يمينه ، فإنه حق له بالسنة الثابتة في هذا الحديث ، فإن أذن له فعل ، وإلا فهو أحق بالشراب من الذي على يساره .

وهذا نص صحيح ثابت ، لا يلتفت إلى ما خالفه من آراء الرجال ، وبالله التوفيق ، وهو المستعان .

والشراب المذكور في هذا الحديث كان لبنا .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا حفص بن حمزة ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، قال : أخبرني أبو حازم ، عن سهل بن سعد ، قال : أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدح من لبن ، وغلام عن يمينه ، والأشياخ أمامه وعن يساره ، فشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال للغلام : يا غلام أتأذن لي أن أسقي الأشياخ ، قال : ما أحب أن أوثر بفضل شربتك على نفسي أحدا من الناس ، فناوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترك الأشياخ .

والغلام المذكور في هذا الحديث هو ابن عباس ، والأشياخ خالد بن الوليد ، أو منهم خالد بن الوليد .

حدثنا خلف بن القاسم ، حدثنا أحمد بن صالح المقرئ ، حدثنا أحمد بن جعفر المنادي ، حدثنا العباس بن محمد الدوري ، حدثنا محمد بن الصباح البزار ، حدثنا إسماعيل بن زكرياء الخلقاني أبو زياد ، عن سفيان ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، قال : أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بقعب من لبن فشرب منه ، وابن عباس عن يمينه ، وخالد بن الوليد عن يساره ، فقال : يا ابن [ ص: 123 ] عباس إن الشربة لك ، فإن شئت أن تؤثر بها خالدا ، فقال : ما أنا بمؤثر بسؤرك علي أحدا .

وقد روى الحميدي هذا الحديث ، عن سفيان ، فخالف في إسناده الخلقاني ، والحميدي أثبت منه .

حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم ، حدثنا الترمذي ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا علي بن زيد بن جدعان ، عن عمر بن أبي حرملة ، عن ابن عباس ، قال : دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خالتي ميمونة ، ومعنا خالد بن الوليد ، فقالت له ميمونة : ألا نقدم إليك يا رسول الله شيئا أهدته لنا أم عفيف ؟ قال : بلى ، فأتته بضباب مشوية ، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفل ثلاث مرات ، ولم يأكل منها ، وأمرنا أن نأكل ، ثم أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإناء فيه لبن فشرب ، وأنا عن يمينه ، وخالد عن يساره ، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم : الشربة لك يا غلام ، وإن شئت آثرت بها خالدا ، فقلت : ما كنت لأوثر بسؤر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدا ، ثم قال : من أطعمه الله طعاما ، فليقل اللهم بارك لنا فيه ، وأبدلنا بما هو خير منه ، ومن سقاه الله لبنا ، فليقل اللهم بارك لنا فيه ، وزدنا منه ، فإني لا أعلم شيئا يجزئ من الطعام والشراب غيره .

ورواه شعبة ، عن عمر بن أبي حرملة ، عن ابن عباس مثله .

وقال أبو داود الطيالسي : كذا قال شعبة وغيره ، يقول عمر بن أبي حرملة .

وفي هذا الحديث من الفقه أن من وجب له شيء من الأشياء ، لم يدفع عنه ، ولم يتسور عليه فيه إلا بإذنه صغيرا كان أو كبيرا ، إذا كان ممن يجوز له [ ص: 124 ] إذنه ، وليس هذا موضع كبر ; لأن السن إنما يراعى ، عند استواء المعاني والحقوق ، وكل ذي حق أولى بحقه أبدا ، والمناولة على اليمين من الحقوق الواجبة في آداب المجالسة .

وفي هذا الحديث دليل على أن الجلساء شركاء في الهدية ، وذلك على جهة الأدب والمروءة والفضل والأخوة ، لا على الوجوب ; لإجماعهم على أن المطالبة بذلك غير واجبة لأحد ، وبالله التوفيق .

وقد روي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلساؤكم شركاؤكم في الهدية بإسناد فيه لين .




الخدمات العلمية