الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما تواترت النواهي للمتخلفين وتواصلت الزواجر وتعاظم التبكيت والتهديد، طارت القلوب وأشفقت النفوس، فكان ذلك مظنة أن لا يتخلف بعدها أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمن يقوم مقامه فيتمكن حينئذ الأعداء من الأموال والذراري والعيال، فأتبع ذلك قوله تعالى: وما كان المؤمنون أي الذين حثهم على النفر الرسوخ في الإيمان لينفروا كافة أي جميعا؛ فإن ذلك يخل بكثير من الأغراض الصالحة، وهو تعليم لما هو الأنسب بالدين والدنيا من انقسام الناس قسمين: قسما للجهاد، وقسما للنفقة وحفظ الأموال والأولاد، كل ذلك بأمره عليه الصلاة والسلام والعمل بما يرضاه، ولا يخفى ذلك على المخلص، ولعل التعبير بالفعل الماضي في قوله مسببا عما قبله: فلولا نفر ليفهم تبكيت من قصد تبكيته من المتخلفين في جميع هذه السورة بأنه كان عليهم أن ينفر مع النبي صلى الله عليه وسلم من كل فرقة أي ناس [كثير] يسهل افتراقهم، قالوا: وهو اسم يقع على ثلاثة منهم طائفة أي: ناس لا ينفكون حافين بالنبي صلى الله عليه وسلم يلزمونه، قيل: والطائفة واحد واثنان، فالآية حجة على قبول خبر الواحد ووجوب العمل به، [وكأنه عبر به للإشارة [ ص: 48 ] إلى الحث على كثرة النافرين كما هو أصل مدلولها الأغلب فيه] ليتفقهوا أي ليكلف النافرون أنفسهم الفهم منه صلى الله عليه وسلم شيئا فشيئا \ في الدين أي: بما يسمعونه من أقواله ويرونه من جميل أفعاله ويصل إلى قلوبهم من مستنير أحواله، وهذا غاية الشرف للعلم حيث جعل غاية الملازمة له صلى الله عليه وسلم للجهاد، هذا إن كان هو صلى الله عليه وسلم النافر في تلك الغزاة، وإن كان غيره كان ضمير " يتفقهوا " للباقين معه صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان من العلم بشارة ومنه نذارة، وكان الإنسان - لما فيه من النقصان - أحوج شيء إلى النذارة، خصها بالذكر فقال عطفا على نحو: ليخافوا في أنفسهم فيعملوا في خلاصها: ولينذروا قومهم أي: يحذروهم ما أمامهم من المخاوف إن فرطوا في جانب التقوى إذا رجعوا إليهم أي: ما أنذرهموه الرسول صلى الله عليه وسلم ويبشروهم [بما بشرهم] به; ثم بين غاية العلم مشيرا إلى أن من جعل له غاية غيرها من ترفع أو افتخار فقد ضل ضلالا كبيرا، فقال موجبا لقبول خبر من بلغهم: لعلهم أي كلهم يحذرون أي ليكون حالهم حال أهل الخوف من الله بما حصلوا من الفقه لأنه أصل كل خير، به تنجلي القلوب فتقبل على الخير وتعرض عن الشر، فإن الحذر تجنب الشيء لما فيه من الضرر، والمراد بالفقه هنا حفظ الكتاب والسنة وفهم معانيهما من [ ص: 49 ] من الأصول والفروع والآداب والفضائل، وقال الرماني : الفقه فهم موجبات المعاني المضمنة بها من غير تصريح بالدلالة عليها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية