الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 7 ] وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا

عطف على جملة وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها . والمناسبة أن خلق السماوات والأرض من أكبر مظاهر علم الله وتعلقات قدرته وإتقان الصنع ، فالمقصود من هذا الخبر لازمه وهو الاعتبار بسعة علمه وقدرته ، وقد تقدم القول في نظيرها في قوله : إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش في سورة الأعراف .

وجملة وكان عرشه على الماء يجوز أن تكون حالا وأن تكون اعتراضا بين فعل خلق ولام التعليل . وأما كونها معطوفة على جملة وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها المسوقة مساق الدليل على سعة علم الله وقدرته فغير رشيق لأن مضمون هذه الجملة ليس محسوسا ولا متقررا لدى المشركين إذ هو من المغيبات وبعضه طرأ عليه تغيير بخلق السماوات فلا يحسن جعله حجة على المشركين لإثبات سعة علم الله وقدرته المأخوذ من جملة وما من دابة في الأرض إلخ . والمعنى أن العرش كان مخلوقا قبل السماوات وكان محيطا بالماء أو حاويا للماء . وحمل العرش على أنه ذات مخلوقة فوق السماوات هو ظاهر الآية . وذلك يقتضي أن العرش مخلوق قبل ذلك وأن الماء مخلوق قبل السماوات والأرض . وتفصيل ذلك وكيفيته وكيفية الاستعلاء مما لا قبل للأفهام به إذ التعبير عنه تقريب .

ويجوز أن يكون المراد من العرش ملك الله وحكمه تمثيلا بعرش السلطان ، أي كان ملك الله قبل خلق السماوات والأرض ملكا على الماء .

وقوله : ليبلوكم متعلق بـ خلق واللام للتعليل . والبلو : الابتلاء ، أي اختبار شيء لتحصيل علم بأحواله ، وهو مستعمل كناية عن ظهور آثار خلقه [ ص: 8 ] - تعالى - للمخلوقات ; لأن حقيقة البلو مستحيلة على الله لأنه العليم بكل شيء ، فلا يحتاج إلى اختباره على نحو قوله : إلا لنعلم من يتبع الرسول في سورة البقرة .

وجعل البلو علة لخلق السماوات والأرض لكونه من حكمة خلق الأرض باعتبار كون الأرض من مجموع هذا الخلق ، ثم إن خلق الأرض يستتبع خلق ما جعلت الأرض عامرة به ، واختلاف أعمال المخاطبين من جملة الأحوال التي اقتضاها الخلق فكانت من حكمة خلق السماوات والأرض ، وكان التعليل هنا بمراتب كثيرة ، وعلة العلة علة .

وأيكم : اسم استفهام ، فهو مبتدأ ، وجملة المبتدأ والخبر سادة مسد الحال اللازم ذكرها بعد ضمير الخطاب في يبلوكم ، نظرا إلى أن الابتلاء لا يتعلق بالذوات ، فتعدية فعل يبلو إلى ضمير الذوات ليس فيه تمام الفائدة فكان محتاجا إلى ذكر حال تقيد متعلق الابتلاء ، وهذا ضرب من التعليق وليس عينه .

وفي الآية إشارة إلى أن من حكمة خلق الأرض صدور الأعمال الفاضلة من شرف المخلوقات فيها . ثم إن ذلك يقتضي الجزاء على الأعمال إكمالا لمقتضى الحكمة ولذلك أعقبت بقوله : ولئن قلت إنكم مبعوثون إلخ .

التالي السابق


الخدمات العلمية