الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1370 حديث ثامن لأبي حازم

مالك ، عن أبي حازم بن دينار ، عن سعيد بن المسيب ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر .

التالي السابق


هكذا هذا الحديث في الموطأ ، بهذا الإسناد مرسل ، لم تختلف الرواة عن مالك فيه ، فيما علمت ، وقد روى فيه أبو حذافة ، عن مالك إسنادا منكرا عن نافع ، عن ابن عمر .

حدثنا خلف بن القاسم ، حدثنا الحسن بن علي المطرز ، حدثنا أحمد بن الحسن بن هارون الصباحي ، حدثنا أبو حذافة ، حدثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى ، عن بيع الغرر .

[ ص: 135 ] قال أبو عمر :

هذا منكر الإسناد لا يصح ، والصحيح فيه عن مالك : ما في الموطأ ، عن أبي حازم ، عن سعيد مرسلا ، وهو حديث يتصل ويستند من حديث أبي هريرة بنقل الثقات الأثبات .

حدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا الحسن بن رشيق ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، قال : حدثنا محمد بن يزيد الثغري ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا شعبة ، عن سيار ، عن الشعبي ، عن أبي هريرة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر .

وحدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا الحسن بن رشيق ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن يونس ، قال : حدثنا ابن أبي حازم ، عن أبيه ، عن سهل بن سعد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

قال أبو عمر :

هذا خطأ ، ولم يرو هذا الحديث أبو حازم عن سهل : وإنما رواه عن سعيد بن المسيب ، كما قال مالك ، وليس ابن أبي حازم في الحديث ممن يحتج به ، فيما خالفه غيره ، وهو عندهم لين الحديث ، ليس بحافظ ، وهذا الحديث محفوظ من حديث أبي هريرة ، ومعلوم أن سعيد بن المسيب من كبار رواة أبي هريرة .

حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ويحيى بن أسامة ، عن عبيد الله بن عمر ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر وعن بيع الحصاة .

[ ص: 136 ] وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثنا إبراهيم بن حمزة ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن أبي الزناد ، عن نافع ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر وعن بيع الحصاة ، وقال : أيما رجل اشترى محفلة ، فله أن يمسكها ثلاثا ، فإن رضيها أمسكها ، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر .

قال أبو عمر :

بيع الغرر يجمع وجوها كثيرة منها : المجهول كله في الثمن والمثمن إذا لم يوقف على حقيقة جملته فبيعه على هذا الحال من بيع الغرر ، وإن وقف على أكثر ذلك ، ويحاصر حتى لا يشكل المراد فيه ، فما جهل منه من التافه اليسير الحقير والنزر في جنب الصفقة إذا كان مما لا يمكن الوصول إلى معرفة حقيقته ، فلا يضر ذلك ، وهو متجاوز عنه غير مراعى عند جماعة العلماء .

ومن بيوع الغرر : بيع الآبق ، والجمل الشارد ، والإبل الصعاب في المرعى ، وكذلك الرمك والبقر الصغار إذا كان الأغلب من أمرها جهل أسنانها ، وعدم تقليبها ، والحيتان في الآجام ، والطائر غير الداجن إذا لم يكن مملوكا مقبوضا عليه ، والقمار كله من بيع الغرر ، وبيع الحصاة من القمار ، ومعنى بيع الحصاة عندهم : أن تكون جملة ثياب منشورة أو مطوية ، فيقول القائل : أي هذه الثياب وقعت عليها حصاتي هذه فقد وجب فيها البيع بيني وبينك بكذا ، دون تأمل ولا رؤية ، فهذا أيضا غرر ، واسم بيع الغرر اسم جامع لهذه المعاني كلها وما أشبهها ، إلا أن العلماء اختلفوا في الآبق يكون في يد مشتريه ، فقال مالك : لا يجوز [ ص: 137 ] بيع الآبق إلا أن يكون بحيث يقدر على تسليمه ويعرف البائع والمشتري حاله في وقت البيع .

وقال الحسن بن حي ، والشافعي ، وعبيد الله بن الحسن : لا يجوز بيع العبد الآبق .

وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : لا يجوز بيع العبد الآبق إلا أن يكون في يد مشتريه .

وقال عثمان البتي : لا بأس ببيع الآبق والبعير الشارد ، وإن هلك فهو من مال المشتري ، وإن اختلفا في هلاكه فعلى المشتري البينة أنه هلك قبل أن يشتريه ، وإلا أعطاه قيمته ، وكذلك المبتاع إذا تقدم شراؤه .

قال أبو عمر :

قول عثمان البتي هذا هو مردود بالسنة المذكورة في هذا الحديث ، وقول أبي حنيفة في جواز بيعه : إذا علمه المشتري دون البائع ، ليس بشيء ، والصحيح ما قاله مالك فيما ذكرنا عنه ، وهو مذهب الشافعي وغيره أيضا ، إذا كان على ما وصفنا .

والبيع الفاسد من بيوع الغرر وغيرها إذا وقع فسخ ، إن أدرك قبل القبض وبعده ، فإن فات بعد القبض رد إلى قيمته بالغا ما بلغ يوم قبضه إلى يوم وقعت صفقته ، فإن أصيب عند البائع قبل القبض ، فمصيبته بكل حال منه ، ومن هذا الباب بيع اللبن في الضرع ، وبيع المغيب تحت الأرض من البقول إذا لم تر ، ومن ذلك بيع الدين على المفلس وعلى الميت ، وبيع المضامين ، والملاقح ، وحبل حبلة ، وقد مضى تفسير ذلك في باب نافع [ ص: 138 ] ومن ذلك بيع الجنين في بطن أمه ، وكل ما لا يدري المبتاع حقيقة ما يحصل عليه ولا ما يصير إليه ، وفروع هذا الباب كثيرة جدا ، وللعلماء فيها مذاهب ، لو تقصيناها لخرجنا عن تأليفنا ومقصدنا ، وبالله التوفيق .



الخدمات العلمية