الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والنوع المختلف فيه كبيع المقاثئ والمباطخ إذا طابت ، فهذا فيه قولان ، أحدهما : أنه يجوز بيعها جملة ، ويأخذها المشتري شيئا بعد شيء ، كما جرت به العادة ، ويجري مجرى بيع الثمرة بعد بدو صلاحها ، وهذا هو الصحيح من القولين الذي استقر عليه عمل الأمة ، ولا غنى لهم عنه ، ولم يأت بالمنع منه كتاب ولا سنة ولا إجماع ، ولا أثر ولا قياس صحيح ، وهو مذهب مالك وأهل المدينة ، وأحد القولين في مذهب أحمد ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية .

والذين قالوا : لا يباع إلا لقطة لقطة لا ينضبط قولهم شرعا ولا عرفا ويتعذر العمل به غالبا ، وإن أمكن ففي غاية العسر ، ويؤدي إلى التنازع والاختلاف الشديد ، فإن المشتري يريد أخذ الصغار والكبار ، ولا سيما إذا كان صغاره أطيب من كباره ، والبائع لا يؤثر ذلك ، وليس في ذلك عرف منضبط ، وقد تكون المقثأة كثيرة ، فلا يستوعب المشتري اللقطة الظاهرة حتى يحدث فيها لقطة أخرى ، ويختلط المبيع بغيره ، ويتعذر تمييزه ، ويتعذر أو يتعسر على صاحب المقثأة أن يحضر لها كل وقت من يشتري ما تجدد فيها ، ويفرده بعقد ، وما كان هكذا فإن الشريعة لا تأتي به ، فهذا غير مقدور ولا مشروع ، ولو ألزم الناس به لفسدت أموالهم وتعطلت مصالحهم ، ثم إنه يتضمن التفريق بين متماثلين من كل الوجوه ، فإن بدو الصلاح في المقاثئ بمنزلة بدو الصلاح في الثمار ، وتلاحق أجزائها [ ص: 718 ] كتلاحق أجزاء الثمار ، وجعل ما لم يخلق منها تبعا لما خلق في الصورتين واحد ، فالتفريق بينهما تفريق بين متماثلين .

ولما رأى هؤلاء ما في بيعها لقطة لقطة من الفساد والتعذر قالوا : طريق رفع ذلك بأن يبيع أصلها معها ، ويقال : إذا كان بيعها جملة مفسدة عندكم ، وهو بيع معدوم وغرر ، فإن هذا لا يرتفع ببيع العروق التي لا قيمة لها ، وإن كان لها قيمة فيسيرة جدا بالنسبة إلى الثمن المبذول ، وليس للمشتري قصد في العروق ، ولا يدفع فيها الجملة من المال ، وما الذي حصل ببيع العروق معها من المصلحة لهما حتى شرط ، وإذا لم يكن بيع أصول الثمار شرطا في صحة بيع الثمرة المتلاحقة كالتين والتوت وهي مقصودة ، فكيف يكون بيع أصول المقاثئ شرطا في صحة بيعها وهي غير مقصودة ؟ والمقصود أن هذا المعدوم يجوز بيعه تبعا للموجود ، ولا تأثير للمعدوم ، وهذا كالمنافع المعقود عليها في الإجارة ، فإنها معدومة ، وهي مورد العقد ؛ لأنها لا يمكن أن تحدث دفعة واحدة ، والشرائع مبناها على رعاية مصالح العباد ، وعدم الحجر عليهم فيما لا بد لهم منه ، ولا تتم مصالحهم في معاشهم إلا به .

التالي السابق


الخدمات العلمية