الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها )

قال أبو جعفر : وهؤلاء فريق آخر من المنافقين ، كانوا يظهرون الإسلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليأمنوا به عندهم من القتل والسباء وأخذ الأموال وهم كفار ، يعلم ذلك منهم قومهم ، إذا لقوهم كانوا معهم وعبدوا ما يعبدونه من دون الله ، ليأمنوهم على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وذراريهم . يقول الله : " كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها " ، يعني : كلما دعاهم [ قومهم ] إلى الشرك بالله ، ارتدوا فصاروا مشركين مثلهم .

واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بهذه الآية . [ ص: 27 ]

فقال بعضهم : هم ناس كانوا من أهل مكة أسلموا - على ما وصفهم الله به من التقية - وهم كفار ، ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم . يقول الله : كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها يعني كلما دعاهم [ قومهم ] إلى الشرك بالله ، ارتدوا فصاروا مشركين مثلهم ، ليأمنوا عند هؤلاء وهؤلاء .

ذكر من قال ذلك :

10078 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم " ، قال : ناس كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء ، ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان ، يبتغون بذلك أن يأمنوا ههنا وههنا . فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا .

10079 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

10080 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها " ، يقول : كلما أرادوا أن يخرجوا من فتنة أركسوا فيها . وذلك أن الرجل كان يوجد قد تكلم بالإسلام ، فيقرب إلى العود والحجر وإلى العقرب والخنفساء ، فيقول المشركون لذلك المتكلم بالإسلام : "قل : هذا ربي" ، للخنفساء والعقرب .

وقال آخرون : بل هم قوم من أهل الشرك كانوا طلبوا الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليأمنوا عنده وعند أصحابه وعند المشركين .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 28 ]

10081 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم " ، قال : حي كانوا بتهامة ، قالوا : "يا نبي الله ، لا نقاتلك ولا نقاتل قومنا" ، وأرادوا أن يأمنوا نبي الله ويأمنوا قومهم ، فأبى الله ذلك عليهم ، فقال : " كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها " ، يقول : كلما عرض لهم بلاء هلكوا فيه .

وقال آخرون : نزلت هذه الآية في نعيم بن مسعود الأشجعي .

ذكر من قال ذلك :

10082 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : ثم ذكر نعيم بن مسعود الأشجعي وكان يأمن في المسلمين والمشركين ، ينقل الحديث بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين ، فقال : " ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة " ، يقول : إلى الشرك .

وأما تأويل قوله : " كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها " ، فإنه كما : -

10083 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : " كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها " ، قال : كلما ابتلوا بها ، عموا فيها .

10084 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : كلما عرض لهم بلاء ، هلكوا فيه .

والقول في ذلك ما قد بينت قبل ، وذلك أن "الفتنة" في كلام العرب ، الاختبار ، و "الإركاس" الرجوع . .

فتأويل الكلام : كلما ردوا إلى الاختبار ليرجعوا إلى الكفر والشرك ، رجعوا إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية