الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  [ ص: 56 ] عمير بن وهب الجمحي

                                                                  ( 117 ) حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني ، ثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، قال : ولما رجع المشركون إلى مكة من بدر وقد قتل الله تعالى من قتل منهم ، أقبل عمير بن وهب حتى جاء إلى صفوان بن أمية في الحجر فقال صفوان : قبح الله العيش بعد قتلى بدر ، فقال عمير : أجل ، والله ما في العيش خير بعد ، ولولا دين علي لا أجد له قضاء وعيالي ورائي لا أجد لهم شيئا لدخلت على محمد فلقتلته إن ملأت عيني منه ، فإن لي عندهم علة أقول : قدمت على ابني هذا الأسير ففرح صفوان بقوله فقال : علي دينك وعيالك أسوة عيالي في النفقة إن يسعني شيء ونعجز عنهم ، فحمله صفوان وجهزه بسيف صفوان فصقل وسم وقال عمير لصفوان : اكتمني ليالي ، فأقبل عمير حتى قدم المدينة فنزل باب المسجد ، وعقل راحلته وأخذ السيف لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر إليه عمر بن الخطاب وهو في نفر من الأنصار يتحدثون عن وقعة بدر ويشكرون نعمة الله فلما رأى عمر عمير بن وهب معه السيف فزع منه فقال : عندكم الكلب هذا عدو الله الذي حرش بيننا وحزرنا للقوم ، فقام عمر فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هذا عمير بن وهب قد دخل المسجد معه السلاح وهو الفاجر الغادر يا رسول الله ، لا تأمنه قال : " أدخله علي " فدخل عمر وعمير وأمر أصحابه أن يدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يحترسوا من عمير إذا دخل عليهم ، فأقبل عمر بن الخطاب وعمير بن وهب فدخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع عمر سيفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر : " تأخر عنه " ، فلما دنا منه حياه عمير أنعم صباحا - وهي تحية أهل الجاهلية - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد أكرمنا الله عز وجل عن تحيتك وجعل تحيتنا السلام وهي تحية أهل [ ص: 57 ] الجنة " ، فقال عمير : إن عهدك بها لحديث ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد بدلنا الله خيرا منها ، فما أقدمك يا عمير ؟ " قال : قدمت في أسيري عندكم فقاربوني في أسيري فإنكم العشيرة والأهل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فما بال السيف في رقبتك ؟ " فقال عمير : قبحها الله من سيوف فهل أغنت عنا من شيء ، أنا نسيته وهو في رقبتي حين نزلت ولعمري إن لي غيرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اصدقني ما أقدمك ؟ " قال : ما قدمت إلا في أسيري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فما شرطت لصفوان بن أمية الجمحي في الحجر ؟ " ففزع عمير وقال : ماذا اشترطت له قال : تحملت له بقتلي على أن يعول بنيك ويقضي دينك والله حائل بينك وبين ذلك ، فقال عمير : أشهد أنك رسول الله وأشهد أنه لا إله إلا الله ، كنا يا رسول الله نكذبك بالوحي ، وبما يأتيك من السماء ، وإن هذا الحديث الذي كان بيني وبين صفوان في الحجر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يطلع عليه أحد غيري وغيره ، ثم أخبرك الله به ، فآمنت بالله ورسوله والحمد لله الذي ساقني هذا المقام ، ففرح المسلمون حين هداه الله ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لخنزير كان أحب إلي منه حين اطلع ، ولهو اليوم أحب إلي من بعض بني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجلس نواسك " وقال : " علموا أخاكم القرآن ، وأطلق له أسيره " وقال : يا رسول الله ، قد كنت جاهدا ما استطعت على إطفاء نور الله ، فالحمد لله الذي ساقني هذا المساق فلتأذن لي فألحق بقريش فادعوهم إلى الإسلام لعل الله يهديهم ويستنقذهم من الهلكة ، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق بمكة ، وجعل صفوان يقول لقريش في مجالسهم : أبشروا بفتح ينسيكم وقعة بدر ، وجعل يسأل كل راكب قدم من المدينة هل كان بها من حدث وكان يرجو ما قال عمير بن وهب : حتى قدم عليه رجل من أهل المدينة ، فسأل صفوان عنه ، فقال : قد أسلم ، فلقيه المشركون ، فقالوا : قد صبأ وقال صفوان : إن علي أن لا أنفعه بنفقة أبدا ولا أكلمه من رأس كلمة أبدا ، وقدم عليهم عمير ودعاهم إلى الإسلام ، ونصح لهم فأسلم بشر كثير "

                                                                  [ ص: 58 ]

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية