الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إبراهيم بن سعيد الجوهري .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وسفيان بن وكيع بن الجراح .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وسلمة بن [ ص: 458 ] شبيب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأبو عثمان المازني النحوي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      واسمه : بكر بن محمد بن عثمان البصري ، شيخ النحاة في زمانه . أخذ عن أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد الأنصاري وغيرهم ، وأخذ عنه أبو العباس المبرد وأكثر عنه ، وللمازني مصنفات كثيرة في هذا الشأن ، وكان شبيها بالفقهاء ، ورعا زاهدا ثقة مأمونا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      روى عنه المبرد أن رجلا من أهل الذمة طلب منه أن يقرأ عليه كتاب سيبويه ويعطيه مائة دينار ، فامتنع من ذلك ، فلامه بعض الناس في ذلك ، فقال : إنما تركت هذا لما فيه من آيات الله تعالى . فاتفق بعد هذا أن جارية غنت بحضرة الواثق :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أظلوم إن مصابكم رجلا رد السلام تحية ظلم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فاختلف من بحضرة الواثق في إعراب هذا البيت ، وهل يكون " رجلا " مرفوعا أو منصوبا ، وبم نصب ؟ أهو اسم أو ماذا ؟ وأصرت الجارية على أن المازني حفظها هذا هكذا . قال : فأرسل الخليفة إليه ، فلما مثل بين يديه قال [ ص: 459 ] له : أنت المازني ؟ قال : نعم . قال : من مازن تميم ، أم من مازن ربيعة ، أم من مازن قيس ؟ فقلت : من مازن ربيعة . فأخذ يكلمني بلغتي ، فقال : باسمك ؟ وهم يقلبون الباء ميما والميم باء ، فكرهت أن أقول : مكر . فقلت : بكر . فأعجبه إعراضي عن المكر إلى البكر ، وعرف ما أردت . فقال : علام تنصب رجلا ؟ فقلت : لأنه معمول المصدر ; " مصابكم " . فأخذ اليزيدي يعارضه فعلاه المازني بالحجة ، فأطلق له الخليفة ألف دينار ، ورده إلى أهله مكرما . فعوضه الله عن المائة دينار لما تركها لله سبحانه ، ولم يمكن الذمي من قراءة الكتاب ; لأجل ما فيه من القرآن ألف دينار ; عشرة أمثالها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى المبرد عنه قال : أقرأت رجلا كتاب سيبويه إلى آخره ، فلما انتهى قال لي : أما أنت أيها الشيخ ، فجزاك الله خيرا ، وأما أنا ، فوالله ما فهمت منه حرفا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      توفي المازني في هذه السنة ، وقيل : في سنة ثمان وأربعين ومائتين ، وأغرب من قال : سنة ست وثلاثين . فالله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية