الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكان إذا حال ليلة الثلاثين دون منظره غيم أو سحاب أكمل عدة شعبان ثلاثين يوما ثم صامه . ولم يكن يصوم يوم الإغمام ولا أمر به ، بل أمر بأن تكمل عدة شعبان ثلاثين إذا غم ، وكان يفعل كذلك ، فهذا فعله وهذا أمره ، ولا يناقض هذا قوله : ( فإن غم عليكم فاقدروا له ) فإن القدر هو الحساب المقدر ، والمراد به الإكمال كما قال : ( فأكملوا العدة ) ، والمراد بالإكمال إكمال عدة الشهر الذي غم ، كما قال في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري : ( فأكملوا عدة شعبان ) .

وقال ( لا تصوموا حتى تروه ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ) . والذي أمر بإكمال عدته هو الشهر الذي يغم ، وهو [ ص: 38 ] عند صيامه وعند الفطر منه ، وأصرح من هذا قوله : ( الشهر تسعة وعشرون ، فلا تصوموا حتى تروه ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ) .

وهذا راجع إلى أول الشهر بلفظه وإلى آخره بمعناه ، فلا يجوز إلغاء ما دل عليه لفظه ، واعتبار ما دل عليه من جهة المعنى . وقال : ( الشهر ثلاثون ، والشهر تسعة وعشرون ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ) .

وقال : ( لا تصوموا قبل رمضان ، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن حالت دونه غمامة فأكملوا ثلاثين ) .

وقال : ( لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ) .

وقالت عائشة رضي الله عنها : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره ، ثم يصوم لرؤيته ، فإن غم عليه عد شعبان ثلاثين يوما ، ثم صام ) . صححه الدارقطني وابن حبان .

[ ص: 39 ] وقال : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين ) .

وقال : ( لا تصوموا حتى تروه ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن أغمي عليكم فاقدروا له ) .

وقال : ( لا تقدموا رمضان . وفي لفظ : لا تقدموا بين يدي رمضان بيوم أو يومين ، إلا رجلا كان يصوم صياما فليصمه ) .

والدليل على أن يوم الإغمام داخل في هذا النهي حديث ابن عباس يرفعه : ( لا تصوموا قبل رمضان ، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن حالت دونه غمامة فأكملوا ثلاثين ) . ذكره ابن حبان في "صحيحه" .

فهذا صريح في أن صوم يوم الإغمام من غير رؤية ولا إكمال ثلاثين صوم قبل رمضان .

وقال : ( لا تقدموا الشهر إلا أن تروا الهلال أو تكملوا العدة ، ولا تفطروا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ) .

[ ص: 40 ] وقال : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة ثلاثين ، ولا تستقبلوا الشهر استقبالا ) . قال الترمذي : حديث حسن صحيح .

وفي النسائي : من حديث يونس ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس يرفعه : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما ثم صوموا ، ولا تصوموا قبله يوما ، فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة عدة شعبان ) .

وقال سماك : عن عكرمة : عن ابن عباس : ( تمارى الناس في رؤية هلال رمضان فقال بعضهم : اليوم . وقال بعضهم : غدا . فجاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه رآه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم . فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا فنادى في الناس : صوموا " . ثم قال : " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما ثم صوموا ، ولا تصوموا قبله يوما ) .

وكل هذه الأحاديث صحيحة ، فبعضها في " الصحيحين " ، وبعضها في " صحيح ابن حبان " والحاكم وغيرهما ، وإن كان قد أعل بعضها بما لا يقدح في صحة الاستدلال بمجموعها ، وتفسير بعضها ببعض ، واعتبار بعضها ببعض ، وكلها يصدق بعضها بعضا ، والمراد منها متفق عليه .

فإن قيل : فإذا كان هذا هديه صلى الله عليه وسلم فكيف خالفه عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عمر ، وأنس بن مالك ، وأبو هريرة ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص ، والحكم بن أيوب الغفاري ، وعائشة وأسماء ابنتا أبي بكر ، [ ص: 41 ] وخالفه سالم بن عبد الله ، ومجاهد ، وطاووس ، وأبو عثمان النهدي ، ومطرف بن الشخير ، وميمون بن مهران ، وبكر بن عبد الله المزني ، وكيف خالفه إمام أهل الحديث والسنة أحمد بن حنبل ، ونحن نوجدكم أقوال هؤلاء مسندة ؟ فأما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال الوليد بن مسلم : أخبرنا ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول ، أن عمر بن الخطاب كان يصوم إذا كانت السماء في تلك الليلة مغيمة ، ويقول : ليس هذا بالتقدم ولكنه التحري .

وأما الرواية عن علي رضي الله عنه فقال الشافعي : أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، عن أمه فاطمة بنت حسين ، أن علي بن أبي طالب قال : لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان .

وأما الرواية عن ابن عمر ففي كتاب عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن عمر قال : ( كان إذا كان سحاب أصبح صائما ، وإن لم يكن سحاب أصبح مفطرا ) وفي " الصحيحين " عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، وإن غم عليكم فاقدروا له ) .

زاد الإمام أحمد رحمه الله بإسناد صحيح عن نافع قال : كان عبد الله إذا مضى من شعبان تسعة وعشرون يوما يبعث من ينظر ، فإن رأى فذاك ، وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا ، وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائما .

[ ص: 42 ] وأما الرواية عن أنس رضي الله عنه فقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا يحيى بن أبي إسحاق قال : رأيت الهلال إما الظهر وإما قريبا منه ، فأفطر ناس من الناس ، فأتينا أنس بن مالك فأخبرناه برؤية الهلال وبإفطار من أفطر ، فقال : هذا اليوم يكمل لي أحد وثلاثون يوما ، وذلك لأن الحكم بن أيوب أرسل إلي قبل صيام الناس إني صائم غدا ، فكرهت الخلاف عليه فصمت وأنا متم يومي هذا إلى الليل .

وأما الرواية عن معاوية فقال أحمد : حدثنا المغيرة ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال : حدثني مكحول ، ويونس بن ميسرة بن حلبس ، أن معاوية بن أبي سفيان كان يقول : لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان .

وأما الرواية عن عمرو بن العاص . فقال أحمد : حدثنا زيد بن الحباب ، أخبرنا ابن لهيعة ، عن عبد الله بن هبيرة ، عن عمرو بن العاص ، أنه كان يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان .

وأما الرواية عن أبي هريرة فقال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن أبي مريم مولى أبي هريرة ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : لأن أتعجل في صوم رمضان بيوم أحب إلي من أن أتأخر ، لأني إذا تعجلت لم يفتني ، وإذا تأخرت فاتني .

وأما الرواية عن عائشة رضي الله عنها ، فقال سعيد بن منصور : حدثنا أبو عوانة ، عن يزيد بن خمير ، عن الرسول الذي أتى عائشة في اليوم الذي يشك فيه من رمضان قال : قالت عائشة : لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان . [ ص: 43 ] وأما الرواية عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما فقال سعيد أيضا : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر قالت : ما غم هلال رمضان إلا كانت أسماء متقدمة بيوم وتأمر بتقدمه .

وقال أحمد : حدثنا روح بن عباد ، عن حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن فاطمة ، عن أسماء أنها كانت تصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان .

وكل ما ذكرناه عن أحمد ، فمن مسائل الفضل بن زياد عنه .

وقال في رواية الأثرم : إذا كان في السماء سحابة أو علة أصبح صائما ، وإن لم يكن في السماء علة أصبح مفطرا ، وكذلك نقل عنه ابناه صالح ، وعبد الله ، والمروزي ، والفضل بن زياد ، وغيرهم .

فالجواب من وجوه

أحدها : أن يقال : ليس فيما ذكرتم عن الصحابة أثر صالح صريح في وجوب صومه حتى يكون فعلهم مخالفا لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما غاية المنقول عنهم صومه احتياطا ، وقد صرح أنس بأنه إنما صامه كراهة للخلاف على الأمراء ، ولهذا قال الإمام أحمد في رواية : الناس تبع للإمام في صومه وإفطاره ، والنصوص التي حكيناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعله وقوله إنما تدل على أنه لا يجب صوم يوم الإغمام ، ولا تدل على تحريمه ، فمن أفطره أخذ بالجواز ، ومن صامه أخذ بالاحتياط .

الثاني : أن الصحابة كان بعضهم يصومه كما حكيتم ، وكان بعضهم لا يصومه ، وأصح وأصرح من روي عنه صومه عبد الله بن عمر ، قال ابن عبد البر : وإلى قوله ذهب طاووس اليماني ، وأحمد بن حنبل ، وروي مثل ذلك عن عائشة وأسماء ابنتي أبي بكر ، ولا أعلم أحدا ذهب مذهب ابن عمر غيرهم .

قال : وممن روي عنه كراهة صوم يوم الشك عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وابن [ ص: 44 ] مسعود ، وحذيفة ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وأنس بن مالك رضي الله عنهم .

قلت : المنقول عن علي وعمر وعمار وحذيفة وابن مسعود المنع من صيام آخر يوم من شعبان تطوعا ، وهو الذي قال فيه عمار : من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم .

فأما صوم يوم الغيم احتياطا على أنه إن كان من رمضان فهو فرضه وإلا فهو تطوع . فالمنقول عن الصحابة يقتضي جوازه ، وهو الذي كان يفعله ابن عمر وعائشة . هذا مع رواية عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غم هلال شعبان عد ثلاثين يوما ثم صام . وقد رد حديثها هذا بأنه لو كان صحيحا لما خالفته ، وجعل صيامها علة في الحديث ، وليس الأمر كذلك ، فإنها لم توجب صيامه ، وإنما صامته احتياطا ، وفهمت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره أن الصيام لا يجب حتى تكمل العدة ، ولم تفهم هي ولا ابن عمر أنه لا يجوز .

وهذا أعدل الأقوال في المسألة ، وبه تجتمع الأحاديث والآثار ، ويدل عليه ما رواه معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهلال رمضان : ( إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين يوما ) . ورواه ابن أبي رواد عن نافع عنه : ( فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ) .

وقال مالك وعبيد الله عن نافع عنه : ( فاقدروا له ) فدل على أن ابن عمر لم يفهم من الحديث وجوب إكمال الثلاثين ، بل جوازه ، فإنه إذا صام يوم الثلاثين فقد أخذ بأحد الجائزين احتياطا ، ويدل على ذلك أنه رضي الله عنه لو فهم من قوله صلى الله عليه وسلم : ( اقدروا له تسعا وعشرين ثم صوموا ) كما يقوله الموجبون [ ص: 45 ] لصومه ، لكان يأمر بذلك أهله وغيرهم ، ولم يكن يقتصر على صومه في خاصة نفسه ولا يأمر به ، ولبين أن ذلك هو الواجب على الناس .

وكان ابن عباس رضي الله عنه لا يصومه ، ويحتج بقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ) .

وذكر مالك في " موطئه " هذا بعد أن ذكر حديث ابن عمر ، كأنه جعله مفسرا لحديث ابن عمر ، وقوله : ( فاقدروا له ) .

وكان ابن عباس يقول : عجبت ممن يتقدم الشهر بيوم أو يومين ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين ) كأنه ينكر على ابن عمر .

وكذلك كان هذان الصاحبان الإمامان أحدهما يميل إلى التشديد والآخر إلى الترخيص ، وذلك في غير مسألة . وعبد الله بن عمر كان يأخذ من التشديدات بأشياء لا يوافقه عليها الصحابة ، فكان يغسل داخل عينيه في الوضوء حتى عمي من ذلك ، وكان إذا مسح رأسه أفرد أذنيه بماء جديد ، وكان يمنع من دخول الحمام ، وكان إذا دخله اغتسل منه ، وابن عباس : كان يدخل الحمام ، وكان ابن عمر يتيمم بضربتين ، ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين ، ولا يقتصر على ضربة واحدة ، ولا على الكفين ، وكان ابن عباس يخالفه ويقول : التيمم ضربة للوجه والكفين ، وكان ابن عمر يتوضأ من قبلة امرأته ويفتي بذلك ، وكان إذا قبل أولاده تمضمض ثم صلى ، وكان ابن عباس يقول : ما أبالي قبلتها أو شممت ريحانا .

وكان يأمر من ذكر أن عليه صلاة وهو في أخرى أن يتمها ثم يصلي الصلاة التي ذكرها ثم يعيد الصلاة التي كان فيها ، وروى أبو يعلى الموصلي في ذلك حديثا مرفوعا في " مسنده " ، والصواب أنه موقوف على ابن عمر . قال البيهقي : وقد روي عن ابن عمر مرفوعا ولا يصح ، قال : وقد روي عن ابن عباس مرفوعا ولا يصح . والمقصود أن عبد الله بن عمر كان يسلك طريق التشديد والاحتياط .

[ ص: 46 ] وقد روى معمر ، عن أيوب ، عن نافع عنه ، أنه كان إذا أدرك مع الإمام ركعة أضاف إليها أخرى ، فإذا فرغ من صلاته سجد سجدتي السهو . قال الزهري : ولا أعلم أحدا فعله غيره .

قلت : وكأن هذا السجود لما حصل له من الجلوس عقيب الركعة ، وإنما محله عقيب الشفع .

ويدل على أن الصحابة لم يصوموا هذا اليوم على سبيل الوجوب أنهم قالوا : لأن نصوم يوما من شعبان أحب إلينا من أن نفطر يوما من رمضان ، ولو كان هذا اليوم من رمضان حتما عندهم لقالوا : هذا اليوم من رمضان فلا يجوز لنا فطره . والله أعلم .

ويدل على أنهم إنما صاموه استحبابا وتحريا ما روي عنهم من فطره بيانا للجواز ، فهذا ابن عمر قد قال حنبل في " مسائله " : حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عبد العزيز بن حكيم الحضرمي ، قال : سمعت ابن عمر يقول : لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه .

قال حنبل : وحدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا عبيدة بن حميد قال : أخبرنا عبد العزيز بن حكيم قال : سألوا ابن عمر . قالوا : نسبق قبل رمضان حتى لا يفوتنا منه شيء ؟ فقال : أف أف ، صوموا مع الجماعة ، فقد صح عن ابن عمر أنه قال : لا يتقدمن الشهر منكم أحد ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( صوموا لرؤية الهلال ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما ) .

وكذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إذا رأيتم الهلال فصوموا لرؤيته ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة .

وقال ابن مسعود رضي الله عنه : فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما .

[ ص: 47 ] فهذه الآثار إن قدر أنها معارضة لتلك الآثار التي رويت عنهم في الصوم فهذه أولى لموافقتها النصوص المرفوعة لفظا ومعنى ، وإن قدر أنها لا تعارض بينها فهاهنا طريقتان من الجمع ، إحداهما : حملها على غير صورة الإغمام أو على الإغمام في آخر الشهر ، كما فعله الموجبون للصوم .

والثانية : حمل آثار الصوم عنهم على التحري والاحتياط استحبابا لا وجوبا ، وهذه الآثار صريحة في نفي الوجوب ، وهذه الطريقة أقرب إلى موافقة النصوص وقواعد الشرع ، وفيها السلامة من التفريق بين يومين متساويين في الشك ، فيجعل أحدهما يوم شك ، والثاني يوم يقين ، مع حصول الشك فيه قطعا ، وتكليف العبد اعتقاد كونه من رمضان قطعا ، مع شكه هل هو منه أم لا ؟ تكليف بما لا يطاق ، وتفريق بين المتماثلين ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية