الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وليس من بيع الغرر بيع المغيبات في الأرض كاللفت والجزر والفجل والقلقاس والبصل ونحوها ، فإنها معلومة بالعادة يعرفها أهل الخبرة بها ، وظاهرها عنوان باطنها ، فهو كظاهر الصبرة مع باطنها ، ولو قدر أن في ذلك غررا ، فهو غرر يسير يغتفر في جنب المصلحة العامة التي لا بد للناس منها ، فإن ذلك غرر لا يكون موجبا للمنع ، فإن إجارة الحيوان والدار والحانوت مساناة لا تخلو عن غرر ؛ لأنه يعرض فيه موت الحيوان ، وانهدام الدار ، وكذا دخول الحمام ، وكذا الشرب من فم السقاء ، فإنه غير مقدر مع اختلاف الناس في قدره ، وكذا بيوع السلم ، وكذا بيع الصبرة العظيمة التي لا يعلم مكيلها ، وكذا بيع البيض والرمان والبطيخ والجوز واللوز والفستق ، وأمثال ذلك مما لا يخلو من الغرر ، فليس كل غرر سببا للتحريم .

والغرر إذا كان يسيرا ، أو لا يمكن الاحتراز منه ، لم يكن مانعا من صحة العقد ، فإن الغرر الحاصل في أساسات الجدران ، وداخل بطون الحيوان ، أو آخر الثمار التي بدا صلاح بعضها دون بعض لا يمكن الاحتراز منه ، والغرر الذي في دخول الحمام ، والشرب من السقاء ونحوه غرر يسير ، فهذان النوعان لا يمنعان البيع بخلاف الغرر الكثير الذي يمكن الاحتراز منه ، وهو [ ص: 728 ] المذكور في الأنواع التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما كان مساويا لها لا فرق بينها وبينه ، فهذا هو المانع من صحة العقد .

فإذا عرف هذا فبيع المغيبات في الأرض ، انتفى عنه الأمران ، فإن غرره يسير ، ولا يمكن الاحتراز منه ، فإن الحقول الكبار لا يمكن بيع ما فيها من ذلك إلا وهو في الأرض ، فلو شرط لبيعه إخراجه دفعة واحدة كان في ذلك من المشقة وفساد الأموال ما لا يأتي به شرع ، وإن منع بيعه إلا شيئا فشيئا كلما أخرج شيئا باعه ، ففي ذلك من الحرج والمشقة وتعطيل مصالح أرباب تلك الأموال ، ومصالح المشتري ما لا يخفى ، وذلك مما لا يوجبه الشارع ، ولا تقوم مصالح الناس بذلك البتة حتى إن الذين يمنعون من بيعها في الأرض إذا كان لأحدهم خراج كذلك ، أو كان ناظرا عليه ، لم يجد بدا من بيعه في الأرض اضطرارا إلى ذلك ، وبالجملة ، فليس هذا من الغرر الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نظيرا لما نهى عنه من البيوع .

التالي السابق


الخدمات العلمية