الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة : هذا ثناء من الله تعالى على من أحب الطهارة ، وآثر النظافة ، وهي مروءة آدمية ، ووظيفة شرعية روى الترمذي وصححه عن عائشة أنها قالت : " مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم " .

                                                                                                                                                                                                              وفي الصحيح { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل معه الماء في الاستنجاء ، فكان يستعمل الحجارة تخفيفا ، والماء تطهيرا } ، واللازم في نجاسة المخرج التخفيف ، وفي نجاسة سائر البدن أو الثوب التطهير ; وتلك رخصة من الله تعالى لعباده في حالتي وجود الماء وعدمه .

                                                                                                                                                                                                              وبه قال عامة العلماء .

                                                                                                                                                                                                              وقال ابن حبيب : لا يستجمر بالأحجار إلا عند عدم الماء .

                                                                                                                                                                                                              وفعل النبي صلى الله عليه وسلم أولى .

                                                                                                                                                                                                              وقد بيناه في شرح الصحيحين ومسائل الخلاف .

                                                                                                                                                                                                              وأما إن كانت النجاسة على البدن أو الثوب فلعلمائنا فيها ثلاثة أقوال : [ ص: 586 ] فقال عنه ابن وهب : يجب غسلها بالماء في حالتي الذكر والنسيان ; وبه قال الشافعي .

                                                                                                                                                                                                              وقال أشهب عنه : ذلك مستحب غير واجب ; وبه قال أبو حنيفة في تفصيل الحالين جميعا .

                                                                                                                                                                                                              وقال ابن القاسم عنه : يجب في حالة الذكر دون النسيان ; وهي من مفرداته .

                                                                                                                                                                                                              والدليل على الوجوب المطلق قوله تعالى { وثيابك فطهر } ; فأمره الله بطهارة ثيابه حتى إن أتته العبادة وجدته على حالة مهيأة لأدائها .

                                                                                                                                                                                                              وقد قال قوم : إن الثياب كناية ، وذلك دعوى لا يلتفت إليها .

                                                                                                                                                                                                              واحتج أبو حنيفة على سقوط طهارتها بأن الاستنجاء لو كان واجبا لغسل بالماء ; فإن الحجر لا يزيله .

                                                                                                                                                                                                              قلنا : هذه رخصة من الله أمر بها ، وعفا عما وراءها .

                                                                                                                                                                                                              وأما الفرق بين حال الذكر والنسيان ففي مسائل الخلاف برهانه ، وهو متعلق بأن رفع المؤاخذة في سورة البقرة على ما بيناه في الخلافيات .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الخامسة : بنى أبو حنيفة هذه المسألة على حرف ، فقال : إن النجاسة إذا كانت كثيرة وجبت إزالتها ، وإذا كانت قليلة لم تجب إزالتها ، وفرق بين القليل والكثير بقدر الدرهم البغلي يعني كبار الدراهم التي هي على قدر استدارة الدينار ، قياسا على المسربة .

                                                                                                                                                                                                              وهذا باطل من وجهين : أحدهما : أن المقدرات عنده لا تثبت قياسا ; ; فلا يقبل هذا التقدير منه .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أن هذا الذي خفف عنه في المسربة رخصة للضرورة والحاجة ، والرخص لا يقاس عليها ، فإنها خارجة عن القياس : فلا ترد إليه .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية