الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن أبي حاتم ، عن الربيع في قوله : ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ) قال : أخبرهم موسى عليه السلام عن ربه عز وجل أنهم إن شكروا النعمة زادهم من فضله وأوسع لهم في الرزق وأظهرهم على العالمين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ) قال : حق على الله أن يعطي من سأله ويزيد من شكره والله منعم يحب الشاكرين فاشكروا لله نعمه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن الحسن في قوله : ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 492 ]

                                                                                                                                                                                                                                      قال : من طاعتي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المبارك ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن علي بن صالح مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن سفيان الثوري في قوله : ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) قال : لا تذهب أنفسكم إلى الدنيا فإنها أهون على الله من ذلك ، ولكن يقول : ( لئن شكرتم ) هذه النعمة أنها مني ( لأزيدنكم ) من طاعتي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في «شعب الإيمان» عن أبي زهير يحيى بن عطارد بن مصعب عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أعطي أحد أربعة فمنع أربعة ما أعطي أحد الشكر فمنع الزيادة لأن الله تعالى يقول : ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) وما أعطي أحد الدعاء فمنع الإجابة لأن الله يقول : ( ادعوني أستجب لكم ) وما أعطي أحد الاستغفار فمنع المغفرة لأن الله يقول : ( استغفروا ربكم إنه كان غفارا ) وما أعطي أحد التوبة فمنع التقبل لأن الله يقول : ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 493 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد والبيهقي عن أنس قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها وأتاه آخر فأمر له بتمرة فقبلها وقال : تمرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال للجارية : اذهبي إلى أم سلمة فأعطيه الأربعين درهما التي عندها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن أنس : أن سائلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه تمرة فقال الرجل سبحان الله ، نبي من الأنبياء يتصدق بتمرة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أما علمت أن فيها مثاقيل ذر كثير فأتاه آخر فسأله فأعطاه تمرة فقال تمرة من نبي لا تفارقني هذه التمرة ما بقيت ولا أزال أرجو بركتها أبدا ، فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بمعروف وما لبث الرجل أن استغنى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو نعيم في «الحلية» من طريق مالك بن أنس عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين قال لما قال له سفيان الثوري : لا أقوم حتى تحدثني - قال جعفر : أما إني أحدثك وما كثرة الحديث بخير يا سفيان إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر عليها فإن الله تعالى قال في كتابه : ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار فإن الله قال في كتابه : ( استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ) يعني في الدنيا والآخرة ) ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 494 ]

                                                                                                                                                                                                                                      يا سفيان إذا أحزنك أمر من سلطان أوغيره فأكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أربع من أعطيهن لم يمنع من الله أربعا : من أعطي الدعاء لم يمنع الإجابة قال الله : ( ادعوني أستجب لكم ) ومن أعطي الاستغفار لم يمنع المغفرة قال الله تعالى : ( استغفروا ربكم إنه كان غفارا ) ومن أعطي الشكر لم يمنع الزيادة قال الله تعالى : ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ومن أعطي التوبة لم يمنع القبول قال الله تعالى : ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أعطي الشكر لم يحرم الزيادة لأن الله تعالى يقول : ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ومن أعطي التوبة لم يحرم القبول لأن الله يقول : ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن النجار في «تاريخه» والضياء المقدسي في «المختارة» عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ألهم خمسة لم يحرم خمسة من ألهم الدعاء لم يحرم الإجابة لأن الله تعالى يقول : ( ادعوني أستجب لكم ) ومن ألهم التوبة لم يحرم القبول لأن الله تعالى يقول : ( وهو الذي يقبل التوبة عن [ ص: 495 ]

                                                                                                                                                                                                                                      عباده
                                                                                                                                                                                                                                      ومن ألهم الشكر لم يحرم الزيادة لأن الله تعالى يقول : ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ومن ألهم الاستغفار لم يحرم المغفرة لأن الله تعالى يقول : ( استغفروا ربكم إنه كان غفارا ) ومن ألهم النفقة لم يحرم الخلف لأن الله تعالى يقول : ( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ) .


                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية