الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الباب الرابع في بيان الأولياء وأحكامهم

                                                                                                                                                                        وفيه ثمانية أطراف .

                                                                                                                                                                        [ الطرف ] الأول : في أسباب الولاية ، وهي أربعة .

                                                                                                                                                                        [ السبب ] الأول : الأبوة ، وفي معناها الجدودة ، وهي أقوى الأسباب ، لكمال الشفقة ، فللأب تزويج البكر الصغيرة والكبيرة بغير إذنها ، ويستحب استئذان [ ص: 54 ] البالغة . ولو أجبرها ، صح النكاح . فلو كان بين الأب وبينها عداوة ظاهرة ، قال ابن كج : ليس له إجبارها ، وكذا نقله الحناطي عن ابن المرزبان ، قال : ويحتمل جوازه . فأما الثيب ، فلا يزوجها الأب إلا بإذنها في حال البلوغ ، والجد كالأب في كل هذا ، وحكى الحناطي قولا : أن الجد لا يجبر البكر البالغة ، واختاره ابن القاص وأبو الطيب بن سلمة ، والمشهور الأول .

                                                                                                                                                                        وسواء حصلت الثيوبة بوطء محترم أو زنا . وحكي عن القديم : أن المصابة بالزنا كالبكر . والمذهب الأول ، ولو زالت بكارتها بسقطة ، أو أصبع ، أو حدة الطمث ، أو طول التعنيس ، أو وطئت في دبرها ، فبكر على الصحيح . ولو وطئت مجنونة ، أو مكرهة ، أو نائمة ، فثيب على الصحيح . ولو خطب البكر رجل ، فمنعها أبوها ، فذهبت وزوجت نفسها به ، ثم زوجها الأب غيره بغير إذنها ، إن كان الأول لم يطأها ، صح تزويج الأب ، وإلا ، فلا ، لأنها ثيب بوطء شبهة .

                                                                                                                                                                        قلت : إنما يصح تزويج الأب ، إذا لم يكن حكم بصحة نكاحها بنفسها حنفي ونحوه . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا التمست البكر البالغة التزويج وقد خطبها كفء ، لزم الأب والجد إجابتها ، فإن امتنع ، زوجها السلطان . وفي وجه : لا تلزمه الإجابة ، ولا يأثم بالامتناع ، لأن الغرض يحصل بتزويج السلطان ، وهو ضعيف . ولو التمست صغيرة بلغت إمكان الشهوة ، قال بعضهم : لزمه إجابتها .

                                                                                                                                                                        [ ص: 55 ] قلت : هذا ضعيف . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        عينت كفئا ، وأراد الأب تزويجها بكفء آخر ، كان له ذلك على الأصح .

                                                                                                                                                                        قلت : قال الشافعي - رضي الله عنه - : استحب للأب أن لا يزوج البكر حتى تبلغ ويستأذنها . قال الصيمري : فإن قاربت البلوغ ، وأراد تزويجها ، استحب أن يرسل إليها ثقات ينظرن ما في نفسها . قال الصيمري : ولو خلقت المرأة بلا بكارة ، فهي بكر . ولو ادعت البكارة أو الثيوبة ، فقطع الصيمري وصاحب " الحاوي " : بأن القول قولها ، ولا يكشف حالها ، لأنها أعلم .

                                                                                                                                                                        قال صاحب " الحاوي " : ولا تسأل عن الوطء ، ولا يشترط أن يكون لها زوج . قال الشاشي : وفي هذا نظر ، لأنها ربما أذهبت بكارتها بأصبعها ، فله أن يسألها . فإن اتهمها ، حلفها . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية