الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون

يجوز أن يكون هذا خبرا عن اسم الإشارة أو حالا منه فتكون استطاعة السمع المنفية عنهم مستعارة لكراهيتهم سماع القرآن وأقوال النبيء - صلى الله عليه وسلم - كما نفيت الإطاقة في قول الأعشى :


وهل تطيق وداعا أيها الرجل



أراد بنفي إطاقة الوداع عن نفسه أنه يحزن لذلك الحزن من الوداع فأشبه الشيء غير المطاق وعبر هنا بالاستطاعة لأن النبيء - صلى الله عليه وسلم - كان [ ص: 37 ] يدعوهم إلى استماع القرآن فيعرضون لأنهم يكرهون أن يسمعوه . قال - تعالى : ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها وقال وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون لأنهم لو سمعوا ووعوا لاهتدوا لأن الكلام المسموع مشتمل على تركيب الأدلة ونتائجها فسماعه كاف في حصول الاهتداء .

والإبصار المنفي هو النظر في المصنوعات الدالة على الوحدانية ، أي ما كانوا يوجهون أنظارهم إلى المصنوعات توجيه تأمل واعتبار بل ينظرون إليها نظر الغافل عما فيها من الدقائق ، ولذلك لم يقل هنا : وما كانوا يستطيعون أن يبصروا ; لأنهم كانوا يبصرونها ولكن مجرد الإبصار غير كاف في حصول الاستدلال حتى يضم إليه عمل الفكر بخلاف السمع في قوله : ما كانوا يستطيعون السمع

ويجوز أن تكون الجملة حالا لـ أولياء ، وسوغ كونها حالا من النكرة أن النكرة وقعت في سياق النفي . والمعنى : أنهم جعلوها آلهة لهم في حال أنها لا تستطيع السمع ولا الإبصار .

وإعادة ضمير جمع العقلاء على الأصنام على هذا الوجه منظور فيه إلى أن المشركين اعتقدوها تعقل ، ففي هذا الإضمار مع نفي السمع والبصر عنها ضرب من التهكم بهم .

والإتيان بأفعال الكون في هذه الجمل أربع مرات ابتداء من قوله : أولئك لم يكونوا معجزين إلى قوله : وما كانوا يبصرون لإفادة ما يدل عليه فعل الكون من تمكن الحدث المخبر به فقوله : لم يكونوا معجزين آكد من : لا يعجزون وكذلك أخواته .

والاختلاف بين صيغ أفعال الكون إذ جاء أولها بصيغة المضارع والثلاثة بعده بصيغة الماضي لأن المضارع المجزوم بحرف ( لم ) له معنى المضي فليس المخالفة منها إلا تفننا .

التالي السابق


الخدمات العلمية