الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وأما الظهر فإنه إن كان في غير حر شديد فتقديمها أفضل لما ذكرناه ، وإن كان في حر شديد وتصلى جماعة في موضع تقصده الناس من البعد استحب الإبراد بها بقدر ما يحصل فيء يمشي فيه القاصد إلى الصلاة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم } وفي صلاة الجمعة وجهان ( أحدهما ) أنها كالظهر لما روى أنس رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتد البرد بكر بها ، وإذا اشتد الحر أبرد بها } [ ص: 62 ] والثاني ) تقديمها أفضل بكل حال ، لأن الناس لا يتأخرون عنها لأنهم قد ندبوا إلى التكبير فلم يكن للتأخير وجه ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث أبي هريرة رواه البخاري ومسلم ، وفيح جهنم بفتح الفاء وإسكان الياء المثناة تحت وبالحاء ، وهو غليانها وانتشار لهبها ووهجها ، وحديث أنس رضي الله عنه في صحيح البخاري ، لكن لفظه عن أنس رضي الله عنه قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكر بالصلاة ، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة } يعني الجمعة هذا لفظه ، وترجم له البخاري ( باب إذا اشتد الحر يوم الجمعة ) .

                                      ( أما حكم المسألة ) فتقديم الظهر في أول وقتها في غير شدة الحر أفضل بلا خلاف لما سبق من الأحاديث . أما في شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة وطريقه في الحر فالإبراد بها سنة مستحبة على المذهب الصحيح الذي نص عليه الشافعي وقطع به جمهور العراقيين والخراسانيين ، وفيه وجه شاذ حكاه الخراسانيون أن الإبراد رخصة وأنه لو تكلف المشقة وصلى في أول الوقت كان أفضل ، هكذا حكاه جماعات من الخراسانيين والقاضي أبو الطيب في تعليقه بهذا اللفظ ، ومنهم أبو علي السنجي في شرح التلخيص وزعم أنه الأصح ، وليس كما قال ، بل هذا الوجه غلط منابذ للسنن المتظاهرة ، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالإبراد وأنه فعله . قال أصحابنا : والحكمة فيه أن الصلاة في شدة الحر والمشي إليها يسلب الخشوع أو كماله ، فاستحب التأخير لتحصيل الخشوع ، كمن حضره طعام تتوق نفسه إليه ، أو كان يدافع الأخبثين ، وحقيقة الإبراد أن يؤخر الصلاة عن أول الوقت بقدر ما يحصل للحيطان فيء يمشي فيه طالب الجماعة ولا يؤخر عن النصف الأول من الوقت ، وللإبراد أربعة شروط : أن يكون في حر شديد ، وأن تكون بلاد حارة ، وأن يصلي جماعة وأن يقصدها الناس من البعد ، هكذا نص الشافعي في الأم وجمهور الأصحاب على هذه الشروط الأربعة ، وترك المصنف اشتراط البلاد الحارة ، وهو وجه مشهور حكاه صاحب الحاوي وجماعة من الخراسانيين .

                                      وفي البويطي قول : [ ص: 63 ] أنه لو قربت منازلهم من المسجد استحب الإبراد كما لو بعدوا ، وهذا القول حكاه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما من العراقيين ، وجماعة من الخراسانيين وطردوه في جماعة هم في موضع لا يأتيهم إليه أحد ، وفيمن يمكنه المشي إلى المسجد في ظل ، وفيمن صلى في بيته منفردا ، والأصح المنصوص أنهم كلهم لا يبردون بل تشترط الشروط الأربعة ، هكذا قاله الأصحاب متابعة لنص الشافعي رحمه الله ، وظاهر الحديث أنه لا يشترط غير اشتداد الحر .



                                      وأما الجمعة فالأصح أنهم لا يبردون بها ، ودليل الوجهين في الكتاب والله أعلم . وأما حديث زهير عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال : { شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا . } قال زهير قلت لأبي إسحاق : أفي الظهر ؟ قال : نعم ، قلت : أفي تعجيلها ؟ قال : نعم " رواه مسلم ، فهو منسوخ بين البيهقي وغيره نسخه




                                      الخدمات العلمية