الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر مولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم

[ ص: 416 ] قال قيس بن مخرمة وقباث بن أشيم وابن عباس وابن إسحاق : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولد عام الفيل .

قال ابن الكلبي : ولد عبد الله بن عبد المطلب أبو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأربع وعشرين مضت من سلطان كسرى أنوشروان ، وولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة اثنتين وأربعين من سلطانه ، وأرسله الله تعالى لمضي اثنتين وعشرين من ملك كسرى أبرويز بن كسرى هرمز بن كسرى أنوشروان ، فهاجر لثنتين وثلاثين سنة مضت من ملك أبرويز .

قال ابن إسحاق : ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول ، وكان مولده بالدار التي تعرف بدار ابن يوسف . قيل : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهبها عقيل بن أبي طالب ، فلم تزل في يده حتى توفي ، فباعها ولده من محمد بن يوسف أخي الحجاج ، فبنى داره التي يقال لها دار ابن يوسف ، وأدخل ذلك البيت في الدار ، حتى أخرجته الخيزران فجعلته مسجدا يصلى فيه . وقيل : ولد لعشر خلون منه ، وقيل : لليلتين خلتا منه .

[ ص: 417 ] قال ابن إسحاق : إن آمنة ابنة وهب أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت تحدث أنها أتيت في منامها لما حملت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل لها : إنك حملت بسيد هذه الأمة ، فإذا وقع بالأرض قولي أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ، ثم سميه محمدا . ورأت حين حملت به أنه خرج منها نور رأت به قصور بصرى من أرض الشام .

فلما وضعته أرسلت إلى جده عبد المطلب : إنه قد ولد لك غلام فأته فانظر إليه ، فنظر إليه ، وحدثته بما رأت حين حملت به ، وما قيل لها فيه وما أمرت أن تسميه .

وقال عثمان بن أبي العاص : حدثتني أمي أنها شهدت ولادة آمنة بنت وهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما شيء أن أنظر إليه من البيت إلا نور ، وإني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول لتقعن علي .

وأول من أرضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابن له يقال له مسروح ، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب ، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، فكانت ثويبة تأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة قبل أن يهاجر فيكرمها وتكرمها خديجة ، فأرسلت إلى أبي لهب أن يبيعها إياها لتعتقها ، فأبى ، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة أعتقها أبو لهب ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبعث إليها بالصلة ، إلى أن بلغه خبر وفاتها منصرفه من خيبر ، فسأل عن ابنها مسروح ، فقيل : توفي قبلها ، فسأل : هل لها من قرابة ؟ فقيل : لم يبق لها أحد .

ثم أرضعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ثويبة حليمة بنت أبي ذؤيب ، واسمه عبد الله بن الحارث بن شجنة من بني سعد بن بكر بن هوزان ، واسم زوجها الذي أرضعته بلبنه الحارث بن عبد العزى ، واسم إخوته من الرضاعة : عبد الله ، وأنيسة ، وجذامة ، وهي الشيماء ، عرفت بذلك ، وكانت الشيماء تحضنه مع أمها حليمة .

[ ص: 418 ] وقدمت حليمة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن تزوج خديجة ، فأكرمها ووصلها ، وتوفيت قبل فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة ، فلما فتح مكة ، قدمت عليه أخت لها فسألها عنها ، فأخبرته بموتها ، فذرفت عيناه ، فسألها عمن خلفت ، فأخبرته ، فسألته نحلة وحاجة فوصلها .

وقال عبد الله بن جعفر بن أبي طالب : كانت حليمة السعدية تحدث أنها خرجت من بلدها مع نسوة يلتمسن الرضعاء ، وذلك في سنة شهباء لم تبق شيئا . قالت : فخرجت على أتان لنا قمراء ، معنا شارف لنا ، والله ما تبض بقطرة ، وما ننام ليلتنا أجمع من صبينا الذي معي من بكائه من الجوع ، وما في ثديي ما يغنيه ، وما في شارفنا ما يغذوه ، ولكنا نرجو الغيث والفرج ، فلقد أذمت أتاني بالركب حتى شق عليهم ضعفا وعجفا ، حتى قدمنا مكة فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم ، وذلك أنا إنما نرجو المعروف من أبي الصبي . فكنا نقول : يتيم فما عسى أن تصنع أمه وجده ! فما بقيت امرأة معي إلا أخذت رضيعا غيري ، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي ، وكان معي : إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعا ، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه ! قال : افعلي فعسى أن الله يجعل لنا فيه بركة . قالت : فذهبت فأخذته ، فلما أخذته ووضعته في حجري أقبل عليه ثدياي مما شاء من لبن ، فشرب حتى روي وشرب معه أخوه حتى روي ثم ناما ، وما كان ابني ينام قبل ذلك ، وقام زوجي إلى شارفنا تلك فإذا إنها حافل ، فحلب منها ثم شرب حتى روي ، ثم سقاني فشربت حتى شبعنا . قالت : يقول لي صاحبي : تعلمين والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة ! قلت : والله لأرجو ذلك . قالت : ثم خرجنا ، فركبت أتاني وحملته عليها فلم يلحقني شيء من حمرهم حتى إن صواحبي ليقلن لي : يا ابنة أبي ذؤيب اربعي علينا ، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها ؟ فأقول : بلى والله لهي هي ، فيقلن : إن لها شأنا ، ثم [ ص: 419 ] قدمنا منازلنا من بني سعد ، وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها ، فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا شباعا لبنا فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة ولا يجدها في ضرع ، حتى إن كان الحاضر من قومنا ليقولون لرعيانهم : ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي ابنة أبي ذؤيب ! فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة من لبن ، وتروح غنمي شباعا لبنا .

فلم نزل نتعرف البركة من الله والزيادة في الخير حتى مضت سنتان وفصلته ، وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان ، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا ، فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على مكثه عندنا لما كنا نرى من بركته ، فكلمنا أمه في تركه عندنا ، فأجابت .

قالت : فرجعنا به ، فوالله إنه بعد مقدمنا به بأشهر مر مع أخيه في بهم لنا خلف بيوتنا إذ أتانا أخوه يشتد فقال لي ولأبيه : ذلك أخي القرشي قد جاءه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه وشقا بطنه وهما يسوطانه ! قالت : فخرجنا نشتد فوجدناه قائما منتقعا وجهه . قالت : فالتزمته أنا وأبوه وقلنا له : مالك يا بني ؟ قال : جاءني رجلان فأضجعاني فشقا بطني فالتمسا به شيئا لا أدري ما هو . قالت : فرجعنا إلى خبائنا ، وقال لي أبوه : والله لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك .

قالت : فاحتملناه فقدمنا به على أمه . فقالت : ما أقدمك يا ظئر به وقد كنت حريصة على مكثه عندك ؟ قالت : قلت : قد بلغ الله بابني ، وقضيت الذي علي ، وتخوفت عليه الأحداث فأديته إليك كما تحبين . قالت : ما هذا بشأنك فاصدقيني ! ولم تدعني حتى أخبرتها . قالت : فتخوفت عليه الشيطان ؟ قلت : نعم . قالت : كلا والله ما للشيطان عليه سبيل ، وإن لابني لشأنا ، أفلا أخبرك ؟ قلت : بلى . قالت : رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصرى من الشام ، ثم حملت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخف منه ولا أيسر ، ثم وقع حين وضعته وإنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء . دعيه عنك وانطلقي راشدة .

وكانت مدة رضاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنتين ، وردته حليمة إلى أمه وجده [ ص: 420 ] عبد المطلب وهو ابن خمس سنين في قول .

وقال شداد بن أوس : بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أقبل شيخ من بني عامر ، وهو ملك قومه وسيدهم شيخ كبير ، متوكئا على عصا فمثل قائما وقال : يا ابن عبد المطلب إني أنبئت أنك تزعم أنك رسول الله أرسلك بما أرسل به إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء ، ألا وإنك فهت بعظيم ، ألا وقد كانت الأنبياء من بني إسرائيل وأنت ممن يعبد هذه الحجارة والأوثان وما لك وللنبوة ، وإن لكل قول حقيقة ، فما حقيقة قولك وبدء شأنك ؟

فأعجب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بمساءلته ثم قال : يا أخا بني عامر اجلس . فجلس ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم : إن حقيقة قولي وبدء شأني أني دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى أخي عيسى ، وكنت بكر أمي ، وحملتني كأثقل ما تحمل النساء ، ثم رأت في منامها أن الذي في بطنها نور ، قالت : فجعلت أتبع بصري النور وهو يسبق بصري حتى أضاءت لي مشارق الأرض ومغاربها ، ثم إنها ولدتني فنشأت ، فلما نشأت بغضت إلي الأوثان والشعر ، فكنت مسترضعا في بني سعد بن بكر ، فبينا أنا ذات يوم منتبذا من أهلي مع أتراب من الصبيان إذ أتانا ثلاثة رهط معهم طست من ذهب مملوء ثلجا فأخذوني من بين أصحابي ، فخرج أصحابي هرابا حتى انتهوا إلى شفير الوادي ثم أقبلوا على الرهط فقالوا : ما أربكم إلى هذا الغلام فإنه ليس له أب وما يرد عليكم قتله ؟ فلما رأى الصبيان الرهط لا يردون جوابا انطلقوا مسرعين إلى الحي يؤذنونهم بي ويستصرخونهم على القوم ، فعمد أحدهم فأضجعني على الأرض إضجاعا لطيفا ، ثم شق ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي ، فأنا أنظر إليه لم أجد لذلك مسا ، ثم أخرج أحشاء بطني فغسلها بالثلج فأنعم غسلها ، ثم أخرج قلبي فصدعه ، ثم أخرج منه مضغة سوداء فرمى بها ، قال بيده يمنة منه كأنه يتناول شيئا ، فإذا أنا بخاتم في يده من نور يحار الناظرون دونه ، فختم به قلبي ، فامتلأ نورا ، وذلك نور النبوة والحكمة ، ثم أعاده مكانه ، فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرا ، ثم قال الثالث لصاحبه : تنح ، فتنحى عني ، فأمر يده ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي فالتأم ذلك الشق بإذن الله تعالى ، ثم أخذ بيدي فأنهضني إنهاضا لطيفا ثم قال للأول الذي شق بطني : زنه بعشرة من أمته . فوزنوني بهم فرجحتهم ، ثم قال : زنه بمائة من أمته . فوزنوني بهم فرجحتهم . ثم قال : زنه بألف من [ ص: 421 ] أمته . فوزنوني بهم فرجحتهم . فقال : دعوه فلو وزنته بأمته كلهم لرجح بهم . ثم ضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عيني ثم قالوا : يا حبيب ، لم ترع ، إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عينك .

قال : فبينا نحن كذلك إذ أنا بالحي قد جاءوا بحذافيرهم ، وإذا ظئري أمام الحي تهتف بأعلى صوتها وهي تقول : يا ضعيفاه ! قال : فانكبوا علي وقبلوا رأسي وما بين عيني وقالوا : حبذا أنت من ضعيف ! ثم قالت ظئري : يا وحيداه ! فانكبوا علي فضموني إلى صدورهم وقبلوا ما بين عيني وقالوا حبذا أنت من وحيد ، وما أنت بوحيد ! إن الله معك ! ثم قالت ظئري : يا يتيماه استضعفت من بين أصحابك فقتلت لضعفك ! فانكبوا علي وضموني إلى صدورهم وقبلوا ما بين عيني وقالوا : حبذا أنت من يتيم ! ما أكرمك على الله ! لو تعلم ما يراد بك من الخير ! قال : فوصلوا بي إلى شفير الوادي . فلما بصرت بي ظئري قالت : يا بني ألا أراك حيا بعد ! فجاءت حتى انكبت علي وضمتني إلى صدرها ، فوالذي نفسي بيده إني لفي حجرها وقد ضمتني إليها ، وإن يدي في يد بعضهم ، فجعلت ألتفت إليهم ، وظننت أن القوم يبصرونهم ، يقول بعض القوم : إن هذا الغلام أصابه لمم أو طائف من الجن ، انطلقوا به إلى كاهننا حتى ينظر إليه ويداويه . فقلت : ما هذا ! ليس بي شيء مما يذكر ، إن إرادتي سليمة ، وفؤادي صحيح ليس في قلبة . فقال أبي من الرضاع : ألا ترون كلامه صحيحا ؟ إني لأرجو أن لا يكون بابني بأس . فاتفقوا على أن يذهبوا بي إلى الكاهن ، فذهبوا بي إليه . فلما قصوا عليه قصتي قال : اسكتوا حتى أسمع من الغلام فإنه أعلم بأمره منكم . فقصصت عليه أمري من أوله إلى آخره ، فلما سمع قولي وثب إلي وضمني إلى صدره ، ثم نادى بأعلى صوته : يا للعرب اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه ! فواللات والعزى لئن تركتموه فأدرك ليبدلن دينكم وليخالفن أمركم وليأتينكم بدين لم تسمعوا بمثله قط .

فانتزعتني ظئري وقالت : لأنت أجن وأعته من ابني هذا فاطلب لنفسك من يقتلك ، فإنا غير قاتليه !

[ ص: 422 ] ثم ردوني إلى أهلي ، فأصبحت مفزعا مما فعل بي ، وأثر الشق ما بين صدري إلى عانتي كأنه الشراك ، فذلك حقيقة قولي وبدء شأني يا أخا بني عامر .

فقال العامري : أشهد بالله الذي لا إله إلا هو أن أمرك حق ، فأنبئني بأشياء أسألك عنها . قال : سل . قال : أخبرني ما يزيد في العلم ؟ . قال : التعلم . قال : فما يدل على العلم ؟ . قال النبي - صلى الله عليه وسلم : السؤال . قال : فأخبرني ماذا يزيد في الشيء ؟ . قال : التمادي . قال : فأخبرني هل ينفع البر مع الفجور ؟ . قال : نعم ، التوبة تغسل الحوبة ، والحسنات يذهبن السيئات ، وإذا ذكر العبد الله عند الرخاء أعانه عند البلاء . فقال العامري : فكيف ذلك ؟ . قال : ذلك بأن الله - عز وجل - يقول : وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين ولا أجمع له خوفين ، إن خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع عبادي في حظيرة القدس ، فيدوم له أمنه ، ولا أمحقه فيمن أمحق ، وإن هو أمنني في الدنيا خافني يوم أجمع عبادي لميقات يوم معلوم فيدوم له خوفه .

قال : يا ابن عبد المطلب أخبرني إلام تدعو ؟ . قال : أدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وأن تخلع الأنداد ، وتكفر باللات والعزى ، وتقر بما جاء من عند الله من كتاب ورسول ، وتصلي الصلوات الخمس بحقائقهن ، وتصوم شهرا من السنة ، وتؤدي زكاة مالك يطهرك الله تعالى بها ويطيب لك مالك ، وتحج البيت إذا وجدت إليه سبيلا ، وتغتسل من الجنابة ، وتؤمن بالموت والبعث بعد الموت ، وبالجنة والنار . قال : يا ابن عبد المطلب فإذا فعلت ذلك فما لي ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى .

فقال : هل مع هذا من الدنيا شيء ؟ فإنه يعجبني الوطأة من العيش . [ ص: 423 ] قال النبي - صلى الله عليه وسلم : النصر والتمكن في البلاد . فأجاب وأناب
.

قال ابن إسحاق : هلك عبد الله بن عبد المطلب أبو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة حامل به .

قال هشام بن محمد : توفي عبد الله بن عبد المطلب أبو رسول الله بعدما أتى على رسول الله ثمانية وعشرون يوما .

وقال الواقدي : الثبت عندنا أن عبد الله بن عبد المطلب أقبل من الشام في عير لقريش ، ونزل بالمدينة وهو مريض فأقام بها حتى توفي ودفن بدار النابغة ، الدار الصغرى .

قال ابن إسحاق : وتوفيت أمه آمنة وله ست سنين بالأبواء بين مكة والمدينة ، كانت قدمت به المدينة على أخواله من بني النجار تزيره إياهم فماتت وهي راجعة ، وقيل : إنها أتت المدينة تزور قبر زوجها عبد الله ، ومعها رسول الله وأم أيمن حاضنة رسول الله ، فلما عادت ماتت بالأبواء .

وقيل : إن عبد المطلب زار أخواله من بني النجار ، وحمل معه آمنة ورسول الله ، فلما رجع توفيت بمكة ، ودفنت في شعب أبي ذر ، والأول أصح .

ولما سارت قريش إلى أحد هموا باستخراجها من قبرها ، فقال بعضهم : إن النساء عورة وربما أصاب محمد من نسائكم ، فكفهم الله بهذا القول إكراما لأم النبي - صلى الله عليه وسلم .

قال ابن إسحاق : وتوفي عبد المطلب ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن ثماني سنين ، وقيل : ابن عشر سنين . [ ص: 424 ] ولما مات عبد المطلب صار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجر عمه أبي طالب بوصية من عبد المطلب إليه بذلك لما كان يرى من بره به وشفقته وحنوه عليه ، فيصبح ولد أبي طالب غمصا رمصا ، ويصبح رسول الله صقيلا دهينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية