الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير : فمن يرغب في مخالفة من يرسله من هو بهذه الصفة عطف عليه قوله : ومن يرغب عن ملة إبراهيم المستقيم الطريقة ، الطاهر الخليقة ، الشفيق على ذريته ، الباني لهم أعظم المفاخر ، المجتهد لهم في جليل المناقب والمآثر إلا من سفه نفسه أي : امتهنها واحتقرها واستخف بها ، أي : فعل بها ما أدى إلى ذلك ; وفي ذلك تعريض بمعاندي أهل الكتاب . قال الحرالي : والسفاهة خفة الرأي : في مقابلة ما يراد منه من المتانة والقوة ، وفي نصب النفس إنباء بلحاق السفاهة بكلية ذي النفس ، لأن من سفهت نفسه اختص السفه بها ، ومن سفه نفسه - بالنصب - استغرقت السفاهة ذاته وكليته وكان بدء ذلك وعاديته من جهة نفسه ، يفهم ذلك نصبها ، وذلك لأن الله عز وجل جعل النفس مبدأ كل شر أبداه في ذات ذي النفس ، فإنه تعالى يعطي الخير بواسطة وبغير واسطة ، ولا يحذى الشر إلا بواسطة نفس ليكون في ذلك حجة الله على خلقه ; وإنما استحق السفاهة من يرغب عن ملة إبراهيم لظهور شاهدها في العقل وعظيم بركتها في التجربة ، لأن من ألقى [ ص: 164 ] بيده لم يؤاخذ في كل مرتبة من رتب الدنيا والآخرة ، فلا عذر لمن رغب عن ذلك ، لظهوره في شاهدي العقل والحس اللذين هما أظهر حجج الله على خلقه وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير : فلقد آتيناه من المزايا ما قدمنا لكم مما لا يعدل عنه ذو مسكة عطف عليه قوله : ولقد اصطفيناه فذكره بمظهر العظمة تعظيما له ، فإن العبد يشرف بشرف سيده ، وتشريفا لاصطفائه فإن الصنعة تجل بجلالة مبدعها في الدنيا بما ذكرناه من كريم المآثر التي يجمعها إسلامه ; وهو افتعال من الصفوة وهي ما خلص من اللطيف عن كثيفه ومكدره ، وفي صيغة الافتعال من الدلالة على التعمد والقصد ما يزيد فيما أشير إليه من الشرف وإنه في الآخرة لمن الصالحين وفي هذا أكبر تفخيم لرتبة الصلاح حيث جعله من [ ص: 165 ] المتصفين بها ، فهو حقيق بالإمامة لعلو رتبته عند الله في الدارين ، ففي ذلك أعظم ترغيب في اتباع دينه والاهتداء بهديه ، وأشد ذم لمن خالفه ; وكل ذلك تذكير لأهل الكتاب بما عندهم من العلم بأمر هذا النبي الكريم وما هو سبب له ، وإقامة للحجة عليهم ، لأن أكثر ذلك معطوف على " اذكروا " قوله :

                                                                                                                                                                                                                                      يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية