الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفرض الثالث : استيعاب غسل جميع الوجه :

                                                                                                                وحده طولا : من منابت الشعر المعتاد إلى منتهى الذقن للأمرد ، واللحية للملتحي ، ونريد بقولنا المعتاد خروج النزعتين والصلع عن الغسل ، ودخول الغمم فيه .

                                                                                                                والنزعان هما : الخاليتان من الشعر على جنبي الجبين ، والذاهبتان على جنبي اليافوخ ، والغمم ما نزل من الشعر على الجبين .

                                                                                                                ومن العذار إلى العذار عرضا .

                                                                                                                قال صاحب الطراز : واللحي الأسفل من الوجه عند سحنون ، وليس منه عند التونسي ، ومقتضى قول القاضي في التلقين خروج البياض الذي بين الأذن ، والعذار ، وأطراف اللحي الأسفل للأذنين عن الوجه .

                                                                                                                وفي البياض الذي بين العذار ، والأذن ثلاثة أقوال : يجب غسله في الأمرد ، والملتحي لمالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة رضي الله عنهم لأنه يواجه مارن الأنف لأنه لو لم يكن من الوجه لأفرد بماء غير ماء الوجه كسائر المسنونات ، ولا يجب فيهما لمالك أيضا ، وللقاضي عبد الوهاب ; لأن المواجهة لا تقع عليه غالبا ، ولأن المرأة لا يلزمها فدية إذا غطته في الإحرام ، والوجوب في الأمرد فقط للأبهري ; لأن العذار يمنع المواجهة .

                                                                                                                وإذا قلنا بعدم الوجوب ، غسل سنة في حق الأمرد ، والملتحي عند القاضي ، ويحتمل عدم الغسل في الملتحي لأنه خرج عن وصف المواجهة كالذي تحت الشعر الكثيف .

                                                                                                                وإذا قلنا بالغسل : فلا يجدد ماء لأنه لا يمكن الاقتصار عليه لاتصاله ، فلو جددنا له الماء لزم التكرار في الوجه بخلاف سائر المسنونات .

                                                                                                                [ ص: 254 ] فرعان :

                                                                                                                الأول : قال صاحب النوادر : قال بعض أصحابنا : يغسل ما تحت مارنه ، والمارن طرف الأنف ، وما غار من أجفانه ، وأسارير جبهته بخلاف الجراح التي برئت غائرة ، أو كانت خلقا ، وبخلاف ما تحت الذقن .

                                                                                                                الثاني : في الجواهر : يجب إيصال الماء إلى منابت الشعر الخفيف الذي تظهر البشرة منه بالتخليل كالحاجبين ، والأهداب ، والشارب ، والعذار ، ونحوها ، ولا يجب في الكثيف ، وقيل : يجب ; لأن الخطاب متناول له بالأصالة ، ولغيره بالرخصة ، والأصل عدمها .

                                                                                                                ويجب غسل ما طال من اللحية ، وقيل : لا يجب .

                                                                                                                ومنشأ الخلاف : هل ينظر إلى مباديها فيجب ، أو محاذيها ، فلا يجب كما قيل فيما زاد من شعر الرأس . قال المازري : على الأول أكثر الأصحاب ، والثاني : للأبهري ، وقال مالك في المدونة : تحرك اللحية من غير تخليل .

                                                                                                                قال صاحب الطراز : قال محمد بن عبد الحكم : يخللها ، وهو يحتمل الإيجاب والندب ، وجه الوجوب قوله تعالى : ( فاغسلوا وجوهكم ) والأمر للوجوب ، ومن السنة أنه عليه السلام كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء ، فأدخله تحت حنكه ، ثم خلل لحيته ، وقال : بهذا أمرني ربي . خرجه أبو داود ، والترمذي قال البخاري : هذا أصح ما في الباب ، وبالقياس على غسل الجنابة .

                                                                                                                وقال مالك : ذلك محمول على وضوء الجنابة لأنه مطلق ، فلا يعم .

                                                                                                                وأما الآية ، فجوابها أن الوجه من المواجهة ، واللحية من المواجهة الآن ، فلا جرم وجب غسلها ، وقد ثبت عنه عليه السلام أنه توضأ مرة ، فغسل وجهه بغرفة ، وكان عليه السلام كث اللحية ، ومعلوم أن الغرفة لا تعم الوجه ، وتخليل اللحية ، والبشرة التي تحتها .

                                                                                                                [ ص: 255 ] قال صاحب الطراز : وكما وجب غسل الباطن إذا ظهر كموضع القطع من الشفة ، وأثر الجراح الظاهرة يجب أن يسقط غسل ما ظهر إذا بطن .

                                                                                                                فروع أربعة : من الطراز :

                                                                                                                الأول : إذا سقط الوجوب استوى على ذلك كثيف اللحية ، وخفيفها على المذهب ، وقول القاضي يجب إيصال الماء للخفيف لا يناقضه لأنه إذا أمر يده عليها ، وحركها وصل الماء إلى المحال المكشوفة ، فإن لم يصل الماء لقلته هنا يقول القاضي لا يجزئه خلافا ح .

                                                                                                                الثاني : روى ابن القاسم ليس عليه تخليل لحيته في الجنابة كما في الوضوء ، وروى أشهب أن عليه تخليلها قياسا على شعر الرأس .

                                                                                                                الثالث : إذا قلنا لا يجب في الجنابة ، فهو سنة ، ولا يختلف المذهب أنه مشروع ، وإنما الخلاف في الوجوب ، والفرق بين الجنابة ، والوضوء أن الوجه من المواجهة ، فانتقل الحكم لظاهر اللحية ، والجنابة ليست كذلك .

                                                                                                                الرابع : إذا قلنا : لا يجب التخليل في الوضوء ، فلا بد من إمرار اليد عليها بالماء ، وتحريك يده عليها ; لأن الشعر يدفع بعضه عن بعض ، فإن حرك حصل الاستيعاب في غسل الظاهر خلافا ح في اقتصاره على المسح .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية