الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1656 [ ص: 183 ] حديث سابع لأبي النضر مالك

عن محمد بن المنكدر ، وأبي النضر ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أسامة بن زيد ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الطاعون رجز ، أرسل على طائفة من بني إسرائيل .

التالي السابق


مثل حديث محمد بن المنكدر سواء ، إلا أن في حديث أبي النضر إذا وقع بأرض - وأنتم بها - فلا تخرجوا منها ، لا يخرجكم إلا فرارا منه .

هكذا في الموطأ : إلا فرارا ، في حديث أبي النضر ، وقد جعله جماعة من أهل العلم لحنا وغلطا .

والوجه فيه عند أهل العربية : أن دخول إلا في هذا الموضع إنما هو لإيجاب بعض ما نفي بالجملة ، كأنه قال : لا تخرجوا منها إذا لم يكن خروجكم إلا فرارا ، أي إذا كان خروجكم فرارا ، فلا تخرجوا ، والنصب هنا بمعنى الحال لا بمعنى الاستثناء ، والله أعلم .

وفي ذلك إباحة الخروج ذلك الوقت من موضع الطاعون للسفر على الجاري من العادات إذا لم يكن القصد الفرار من الطاعون ، وقد كان بعض شيوخنا ، وشيوخ شيوخنا يروونه في هذا الحديث : لا يخرجكم إلا فرار منه ( بالرفع ) . وهذا إن صح بمعنى قوله : فلا تخرجوا منها لا يخرجكم إلا فرار منه ، أي لا تخرجوا منها الخروج الذي يخرجكموه إلا فرار منه ، وقد كان بعض الشيوخ ممن رواه بالرفع يرويه لا يخرجكم إلا الإفرار منه ، على المصدر ، [ ص: 184 ] وهذا ينكره أهل النحو في مصدر الفرار ، وأجازه أهل اللغة على لغة شاذة في الفرار ، والله أعلم ، وهذا المصدر خطأ عند أهل النحو واللغة ، وغير معروف في الرواية .

ورواه ابن بكير ، عن مالك ، عن أبي النضر ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أسامة بن زيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل حديث ابن المنكدر ، إلا أن في حديث أبي النضر فإذا وقع بأرض - وأنتم بها - فلا تخرجوا منها إلا فرارا منه وهذا لا وجه له إلا أن يحمل على ما ذكرنا .

وروى القعنبي عن مالك حديث محمد بن المنكدر ، وليس عنده حديث أبي النضر ، وأكثر رواة الموطأ جمعوا في هذا الحديث عن مالك أبا النضر ، ومحمد بن المنكدر جميعا .

ورواه ابن أبي مريم وأبو مصعب عن مالك ، كما رواه يحيى سواء عن محمد بن المنكدر ، وأبي النضر جميعا ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد ، وقالا في آخره : قال أبو النضر : لا يخرجكم إلا الفرار منه ، وهذا معناه كمعنى رواية يحيى سواء في رواية من رواه بالرفع ، وهذا أبين بالألف واللام ، والمعنى سواء ، والله أعلم .

وأما ابن وهب فجوده : ذكر ابن وهب في الموطأ ، عن مالك ، عن أبي النضر ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص : أنه سمع أباه يسأل أسامة بن زيد : أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الطاعون ؟ فقال : نعم ، فقال : كنت سمعته ؟ قال : سمعته يقول : هو رجز سلط على بني إسرائيل أو على قوم ، فإذا سمعتم به بأرض ، فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض - وأنتم بها - فلا تخرجوا فرارا منه .

[ ص: 185 ] هكذا قال ابن وهب ، عن مالك في حديث أبي النضر مفردا : لا تخرجوا فرارا منه ، ولم يعطفه على حديث ابن المنكدر ، بل ساقه عن مالك ، عن أبي النضر من أوله إلى آخره ، وقال في آخره : فلا تخرجوا فرارا منه ، وهذا هو الصواب المعروف ، الذي لا إشكال فيه .

وقال ابن وهب أيضا : أخبرني عمرو بن الحارث ، أن أبا النضر حدثه ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه سمع أسامة بن زيد يخبر سعد بن أبي وقاص ، وسأله عن الوجع ، فقال أسامة : ذكر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : هو رجز سلط على من قبلكم أو على بني إسرائيل ، فإذا سمعتم به ببلدة ، فلا تدخلوا عليه فيها ، وإذا وقع - وأنتم بها - فلا يخرجنكم منها فرارا أو قال : منه فرارا ، ورواية ابن وهب صحيحة المعنى ، مجتمع عليها .

وفي هذا الحديث إباحة الخبر عن الأمم الماضية من بني إسرائيل وغيرهم .

وروي عن عبد الله بن مسعود ، أنه قال : ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدثنا عمن خلا من الأمم ، حتى لو مرت عقاب فقلب جناحها فكانت وفاتها ، لأخبرناكم .

وقد مضى تفسير معنى الطاعون في مواضع من هذا الكتاب ، فلا وجه لإعادة ذلك هاهنا ، والحمد لله .




الخدمات العلمية