الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 91 ] ولما كان السياق للتهديد والتخويف، قدم الضر لذلك وتنبيها لهم على أنهم مغمورون في نعمه التي لا قدرة لغيره على منع شيء منها، فعليهم أن يقيدوها بالشكر فقال: ما لا يضرهم أي: أصلا من الأصنام وغيرها ولا ينفعهم في معارضة القرآن بتبديل أو غيره ولا في شيء من الأشياء، ومن حق المعبود أن يكون مثيبا على الطاعة معاقبا على المعصية وإلا كانت عبادته عبثا، معرضين عما جاءهم من الآيات البينات [من] عند من يعلمون أنه يضرهم وينفعهم ولا يملك شيئا من ذلك أحد سواه، وقد أقام الأدلة على ذلك غير مرة، وفي هذا غاية التبكيت لهم بمنابذة العقل مع ادعائهم رسوخ الأقدام فيه وتمكن المجال منه; والعبادة: خضوع بالقلب في أعلى مراتب الخضوع; ثم عجب منهم تعجيبا آخر فقال: ويقولون أي: لم يكفهم قوله ذلك مرة من الدهر حتى يجددوا قوله مستمرين عليه: هؤلاء أي الأصنام أو غيرهم شفعاؤنا أي: ثابتة شفاعتهم لنا عند الله أي الملك الأعظم الذي لا يمكن الدنو من شيء من حضرته إلا بإذنه، وقد مضى إبطال ما تضمنته هذه المقالة في قوله تعالى: ما من شفيع إلا من بعد إذنه وفيه تخجيلهم في العجز عن تبديل القرآن أو الإتيان بشيء من مثله حيث لم تنفعهم في ذلك فصاحتهم ولا أغنت عنهم شيئا بلاغتهم، وأعوزهم في شأنه فصحاؤهم، وضل عنهم شفعاؤهم، فدل ذلك قطعا على أنه ما من شفيع إلا بإذنه [ ص: 92 ] من بعد، فكأنه قال: بماذا أجيبهم؟ فقال: قل منكرا عليهم هذا العلم: أتنبئون أي: تخبرون إخبارا عظيما الله وهو العالم بكل شيء المحيط بكل كمال بما لا يعلم أي: لا يوجد له به علم في وقت من الأوقات في السماوات ولما كان الحال مقتضيا لغاية الإيضاح، كرر النافي تصريحا فقال: ولا في الأرض وفي ذلك من الاستخفاف بعقولهم مما لا يقدرون على الطعن فيه بوجه ما يخجل الجماد، فإن ما لا يكون معلوما لله لا يكون له وجود أصلا، فلا نفي أبلغ من هذا، كما أنك إذا بالغت في نفي شيء عن نفسك تقول: هذا شيء ما علمه الله مني.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما بين تعالى هنا ما هم عليه من سخافة العقول وركاكة الآراء، ختم ذلك بتنزيه نفسه بقوله: سبحانه أي: تنزه عن كل شائبة نقص تنزها لا يحاط به وتعالى أي: وفعل بما له من الإحاطة بأوصاف الكمال فعل المبالغ في التنزه عما يشركون أي: يوجدون الإشراك به.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية