الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              [ ص: 591 ] الآية الثانية والأربعون قوله تعالى { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم } .

                                                                                                                                                                                                              فيها ست مسائل :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى : في سبب نزولها : الأولى : ثبت في الصحيح عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال { : لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية فقال : يا عم ; قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله . فقال له أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء تكلم به : أنا على ملة عبد المطلب . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لأستغفرن لك ما لم أنه عنك . فنزلت : { ما كان للنبي والذين آمنوا } ونزلت : { إنك لا تهدي من أحببت } } . الثاني : روي عن عمرو بن دينار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { استغفر إبراهيم لأبيه ، وهو مشرك ، فلا أزال أستغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي . فقال أصحابه : لنستغفرن لآبائنا كما استغفر النبي لعمه ، فأنزل الله : { ما كان للنبي والذين آمنوا } إلى : { تبرأ منه } } . [ ص: 592 ] الثالثة : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى مكة أتى رضما من حجارة أو رسما أو قبرا ، فجلس إليه ، ثم قام مستغفرا . فقال : إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي ، فأذن لي ، واستأذنته في الاستغفار لها ، فلم يأذن لي فما رئي باكيا أكثر من يومئذ } .

                                                                                                                                                                                                              وروي { أنه وقف عند قبرها حتى سخنت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها ، حتى نزلت : { ما كان للنبي } إلى قوله : { تبرأ منه } } .

                                                                                                                                                                                                              الرابعة : روى ابن عباس { أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له : يا رسول الله ; إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ، ويصل الأرحام ، أفلا نستغفر لهم ؟ فأنزل الله : { ما كان للنبي } } .

                                                                                                                                                                                                              الخامسة : روي عن علي قال : { سمعت رجلا يستغفر لأبويه ، فقلت : تستغفر لهما ، وهما مشركان ؟ فقال : أولم يستغفر إبراهيم لأبيه ، فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت : { ما كان للنبي } } . وهذه أضعف الروايات .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : قوله تعالى { ما كان للنبي والذين آمنوا } : دليل على أحد أمرين : إما أن تكون الرواية الثانية صحيحة ، فنهى الله النبي والمؤمنين .

                                                                                                                                                                                                              وإما أن تكون الرواية الأولى هي الصحيحة ويخبر به عما فعل النبي ، وينهى المؤمنون أن يفعلوا مثله ، تأكيدا للخبر ; وسائر الروايات محتملات .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية