الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2017 باب من أحرم وعليه جبة، وأثر الخلوق

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة: لبسه. وما لا يباح. وبيان تحريم الطيب عليه).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 76 - 77 ج8 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن صفوان بن يعلى بن أمية، ، عن أبيه (رضي الله عنه) ، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة. عليه جبة وعليها خلوق. (أو قال: أثر صفرة). فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ قال: وأنزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي. فستر بثوب. وكان يعلى يقول: وددت أني أرى النبي صلى الله عليه وسلم وقد نزل عليه الوحي. قال: فقال: أيسرك أن تنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أنزل عليه الوحي؟ قال: فرفع عمر طرف الثوب. فنظرت إليه له غطيط. (قال: وأحسبه قال): كغطيط البكر. قال: فلما سري عنه قال: "أين السائل عن العمرة؟

                                                                                                                              اغسل عنك أثر الصفرة. (أو قال: أثر الخلوق). واخلع عنك جبتك. واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك."
                                                                                                                              ].

                                                                                                                              [ ص: 324 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 324 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن يعلى بن منبه "رضي الله عنه"، قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم - وهو بالجعرانة ) .

                                                                                                                              فيها لغتان مشهورتان: إحداهما: إسكان العين وتخفيف الراء.

                                                                                                                              والثانية: كسر العين وتشديد الراء.

                                                                                                                              والأولى: أفصح. وعليها أكثر أهل اللغة.

                                                                                                                              وهكذا اللغتان في تخفيف ( الحديبية ) وتشديدها. والأفصح: التخفيف. وبه قال الشافعي وموافقوه.

                                                                                                                              (عليه جبة، وعليها خلوق) بفتح الخاء. وهو نوع من الطيب، يجعل فيه زعفران.

                                                                                                                              ("أو قال: أثر صفرة" فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ قال: وأنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم - الوحي. فستر بثوب. وكان يعلى يقول: وددت أني أرى النبي -صلى الله عليه وسلم - وقد نزل عليه الوحي. قال: فقال: أيسرك أن تنظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم -) .

                                                                                                                              هكذا هو في جميع النسخ.

                                                                                                                              ولم يبين القائل من هو؟ ولا سبق له ذكر.

                                                                                                                              [ ص: 325 ] وهذا القائل هو: عمر بن الخطاب (رضي الله عنه). كما بينه مسلم في الرواية التي بعد هذه.

                                                                                                                              (وقد أنزل عليه الوحي؟ قال: فرفع عمر طرف الثوب. فنظرت إليه له غطيط) . هو كصوت النائم، الذي يردده مع نفسه.

                                                                                                                              (قال: وأحسبه قال: كغطيط البكر) .

                                                                                                                              هو بفتح الباء. وهو الفتى من الإبل.

                                                                                                                              (قال: فلما سري) بضم السين وكسر الراء المشددة. أي: أزيل ما به، وكشف عنه.

                                                                                                                              (قال: أين السائل عن العمرة؟ اغسل عنك أثر الصفرة. "أو قال: أثر الخلوق".) فيه: تحريم الطيب على المحرم، ابتداء ودواما . لأنه إذا حرم دواما، فالابتداء أولى بالتحريم.

                                                                                                                              وفيه: أن العمرة، يحرم فيها من الطيب واللباس، وغيرهما من المحرمات السبعة: ما يحرم في الحج .

                                                                                                                              وفيه: أن من أصابه طيب ناسيا، أو جاهلا، ثم علم: وجبت عليه المبادرة إلى إزالته.

                                                                                                                              [ ص: 326 ] وفيه: أن من أصابه في إحرامه طيب ناسيا، أو جاهلا، لا كفارة عليه.

                                                                                                                              قال النووي : وهذا مذهب الشافعي . وبه قال عطاء ، والثوري ، وإسحاق ، وداود .

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والمزني ، وأحمد "في أصح الروايتين عنه": عليه الفدية.

                                                                                                                              لكن الصحيح من مذهب مالك : أنه، إنما تجب الفدية على المتطيب ناسيا، أو جاهلا، إذا طال لبثه عليه. انتهى.

                                                                                                                              وأقول: لم يرد في هذا، ما يدل على لزوم الفدية. والأصل: البراءة. فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح.

                                                                                                                              وقد ورد (القرآن): بلزوم الفدية للمريض، ومن به أذى من رأسه إذا حلق رأسه، كما يفيده أول الآية. فيقتصر على ذلك.

                                                                                                                              والتشبث بالقياس غير صحيح.

                                                                                                                              وهكذا، لم يثبت ما يدل على أن الكحل، والدهن: من محظورات الإحرام ولا مكروهاته. والأصل: الحل.

                                                                                                                              وليس لنا: أن نثبت ما لم يثبت من المحظورات. فأما إذا كان الكحل، والدهن، مطيبا: فحكمهما حكم الطيب.

                                                                                                                              [ ص: 327 ] وكذا لبس ثياب الزينة.

                                                                                                                              فهو حكم لا يرجع إلى رواية، ولا رأي صحيح.

                                                                                                                              والذي ثبت تحريمه (على المحرم) من اللباس: هو معروف، مصرح في الأحاديث. وسيأتي في هذا الكتاب.

                                                                                                                              وكذا خضب الأصابع، لا دليل يدل على لزوم الفدية، في شيء من ذلك.

                                                                                                                              قال في (السيل الجرار): وبالجملة، لم يرد بإيجاب الفدية في شيء من هذه الأمور: كتاب، ولا سنة، ولا قياس صحيح، ولا إجماع.

                                                                                                                              وإيجاب ما لم يوجبه الله تعالى، هو من التقول على الله تعالى بما لم يقل. انتهى.

                                                                                                                              (واخلع عنك جبتك) .

                                                                                                                              دليل لمالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، والجمهور: أن المحرم، إذا صار عليه مخيط ينزعه. ولا يلزمه شقه.

                                                                                                                              وقال الشعبي ، والنخعي : لا يجوز نزعه. لئلا يصير مغطيا رأسه.

                                                                                                                              بل يلزمه شقه.

                                                                                                                              قال النووي : وهذا مذهب ضعيف. انتهى.

                                                                                                                              وأقول: قال شيخنا "رضي الله عنه"، في (السيل الجرار): الأحاديث [ ص: 328 ] الصحيحة، قد وردت بمنع (المحرم) من لبس القميص، والسراويل.

                                                                                                                              ثم قالوا: إنه -صلى الله عليه وسلم -، قد نبه بذلك على المنع من كل مخيط. ولا أرى هذا صحيحا.

                                                                                                                              فإن ورد ما يدل على: تحريم لبس المخيط على العموم، فذاك. ولكنه لم يرد. فينبغي التوقف على المنع مما سماه النبي -صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                              والحاصل: أن الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم -، بين أكمل بيان: ما لا يجوز للمحرم لبسه . فما عدا ذلك جاز له لبسه. سواء كان مخيطا، أو غير مخيط.

                                                                                                                              وما ذكروه؛ من وجوب الدم في لبس المخيط، فليس على ذلك دليل. والأصل: البراءة. فلا ينقل عنها إلا دليل صحيح، يصلح للنقل. انتهى.

                                                                                                                              (واصنع في عمرتك، ما أنت صانع في حجك.) أي: من اجتناب المحرمات.

                                                                                                                              قال النووي : ويحتمل أنه -صلى الله عليه وسلم -: أراد مع ذلك: الطواف، والسعي، والحلق، بصفاتها وهيئاتها، وإظهار التلبية، وغير ذلك. مما يشترك فيه الحج والعمرة. ويخص من عمومه: ما لا يدخل في العمرة من أفعال الحج؛ كالوقوف، والرمي، والمبيت بمنى والمزدلفة، وغير ذلك. انتهى.

                                                                                                                              قال: وهذا الحديث، ظاهر في أن هذا السائل، كان عالما بصفة الحج، دون العمرة. فلهذا قال: (واصنع في عمرتك، ما أنت صانع في حجك.) [ ص: 329 ] وفيه: دليل للقاعدة المشهورة: أن القاضي، والمفتي، إذا لم يعلم حكم المسألة: أمسك عن جوابها، حتى يعلمه أو يظنه بشرطه.

                                                                                                                              وفيه: أن من الأحكام التي ليست في القرآن، ما هو بوحي لا يتلى.

                                                                                                                              وقد يستدل به، من يقول من أهل الأصول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم -، لم يكن له الاجتهاد. وإنما كان يحكم بوحي. ولا دلالة فيه على ذلك؛ لأنه يحتمل: أنه -صلى الله عليه وسلم -، لم يظهر له بالاجتهاد: حكم ذلك.

                                                                                                                              أو أن الوحي بدره، قبل تمام الاجتهاد. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية