الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب

                                                                      818 حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا همام عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر

                                                                      التالي السابق


                                                                      أي ما حكمه ، فثبت من أحاديث الباب أنه لا تصح صلاته .

                                                                      ( أمرنا ) على البناء للمجهول ، والآمر إنما هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن مطلق الأمر والنهي ينصرف بظاهره إلى من له الأمر والنهي وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم - ( أن نقرأ بفاتحة الكتاب ) فيه وفيما يأتي من الأحاديث دليل على وجوب القراءة في الصلاة وأنها متعينة لا يجزي غيرها إلا لعاجز عنها وهذا مذهب مالك والشافعي وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم . وقال أبو حنيفة وطائفة قليلة لا يجب الفاتحة بل الواجب آية من القرآن ( وما تيسر ) في محل الجر ، عطف على فاتحة الكتاب ، أي أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وبما تيسر من القرآن . واستدل به وبقوله فما زاد في حديث أبي هريرة الآتي وبقوله فصاعدا في حديث عبادة بن الصامت الآتي على وجوب قدر زائد على الفاتحة . وتعقب بأنه ورد لدفع توهم قصر الحكم على الفاتحة . قال البخاري في جزء القراءة : هو نظير قوله تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا . وادعى ابن حبان والقرطبي [ ص: 27 ] وغيرهما الإجماع على عدم وجوب قدر زائد عليها ، وفيه نظر لثبوته عن بعض الصحابة ومن بعدهم فيما رواهابن المنذر وغيره ، ولعلهم أرادوا أن الأمر استقر على ذلك . وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة يقول : كل صلاة يقرأ فما أسمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسمعناكم وما أخفى عنا أخفينا عنكم وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت وإن زدت فهو خير ولابن خزيمة من حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام فصلى ركعتين لم يقرأ فيهما إلا بفاتحة الكتاب . كذا أفاد الحافظ في فتح الباري . قال الشوكاني في النيل بعد ذكر الأحاديث التي فيها زيادة فصاعدا ما نصه : وهذه الأحاديث لا تقصر عن الدلالة على وجوب قرآن مع الفاتحة ولا خلاف في استحباب السورة مع الفاتحة في صلاة الصبح والجمعة والأوليين من كل الصلوات . قال النووي : إن ذلك سنة عند جميع العلماء . وحكى القاضي عياض عن بعض أصحاب مالك وجوب السورة . قال النووي : وهو شاذ مردود . وأما السورة في الركعة الثالثة والرابعة فكره ذلك مالك واستحبه الشافعي في قوله الجديد دون القديم ، ثم قال ما حاصله إنه قد ذهب إلى إيجاب قرآن مع الفاتحة عمر وابنه عبد الله وعثمان بن أبي العاص وغيرهم والظاهر ما ذهبوا إليه من إيجاب شيء من القرآن . وأما التقدير بثلاث آيات فلا دليل عليه إلا توهم أنه لا يسمى دون ذلك قرآنا لعدم إعجازه كما قيل وهو فاسد لصدق القرآن على القليل والكثير لأنه جنس . وأيضا المراد ما يسمى قرآنا ما يسمى معجزا ولا تلازم بينهما ، وكذلك التقدير بالآية الطويلة . نعم لو كان حديث أبي سعيد الذي عند ابن ماجه بلفظ لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها صحيحا لكان مفسرا للمبهم في الأحاديث من قوله فما زاد وقوله فصاعدا وقوله ما تيسر ولكان دالا على وجوب الفاتحة وسورة في كل ركعة ولكنه ضعيف ، وقد عورضت هذه الأحاديث بما في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة أنه قال في كل صلاة يقرأ فما أسمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسمعناكم وما أخفى عنا أخفينا عنكم وإن تزد على أم القرآن أجزأت وإن زدت فهو خير ، ولكن الظاهر من السياق أن قوله وإن لم تزد إلخ ليس مرفوعا ولا مما له حكم الرفع فلا حجة فيه . وقد أخرج أبو عوانة هذا الحديث كرواية الشيخين إلا أنه زاد في آخره وسمعته يقول لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب . قال الحافظ في الفتح : وظاهر سياقه أن ضمير سمعته للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون مرفوعا بخلاف رواية الجماعة ، ثم قال نعم ، قوله ما أسمعنا وما أخفى عنا يشعر بأن جميع ما ذكره متلقى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون للجميع حكم الرفع انتهى . وهذا الإشعار في غاية الخفاء باعتبار جميع الحديث فإن صح جمع بينه وبين الأحاديث المصرحة بزيادة ما تيسر من القرآن بحملها على الاستحباب [ ص: 28 ] انتهى حاصل كلام الشوكاني وحديث أبي سعيد أخرجه البخاري في جزء القراءة . قال ابن سيد الناس : إسناده صحيح ورجاله ثقات ، وقال الحافظ في التلخيص : إسناده صحيح .




                                                                      الخدمات العلمية