الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وأما الكفر الأكبر ، فخمسة أنواع : كفر تكذيب ، وكفر استكبار وإباء مع التصديق ، وكفر إعراض ، وكفر شك ، وكفر نفاق .

فأما كفر التكذيب فهو اعتقاد كذب الرسل ، وهذا القسم قليل في الكفار ، فإن الله تعالى أيد رسله ، وأعطاهم من البراهين والآيات على صدقهم ما أقام به الحجة ، وأزال به المعذرة ، قال الله تعالى عن فرعون وقومه وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون .

وإن سمي هذا كفر تكذيب أيضا فصحيح ، إذ هو تكذيب باللسان .

وأما كفر الإباء والاستكبار فنحو كفر إبليس ، فإنه لم يجحد أمر الله ولا قابله بالإنكار ، وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار ، ومن هذا كفر من عرف صدق الرسول ، وأنه جاء بالحق من عند الله ، ولم ينقد له إباء واستكبارا ، وهو الغالب على كفر أعداء الرسل ، كما حكى الله تعالى عن فرعون وقومه أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون [ ص: 347 ] وقول الأمم لرسلهم إن أنتم إلا بشر مثلنا وقوله : كذبت ثمود بطغواها وهو كفر اليهود كما قال تعالى فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به وقال يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وهو كفر أبي طالب أيضا ، فإنه صدقه ولم يشك في صدقه ، ولكن أخذته الحمية ، وتعظيم آبائه أن يرغب عن ملتهم ، ويشهد عليهم بالكفر .

وأما كفر الإعراض فأن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول ، لا يصدقه ولا يكذبه ، ولا يواليه ولا يعاديه ، ولا يصغي إلى ما جاء به البتة ، كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي صلى الله عليه وسلم : والله أقول لك كلمة ، إن كنت صادقا ، فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك ، وإن كنت كاذبا ، فأنت أحقر من أن أكلمك .

وأما كفر الشك فإنه لا يجزم بصدقه ولا يكذبه ، بل يشك في أمره ، وهذا لا يستمر شكه إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم جملة ، فلا يسمعها ولا يلتفت إليها ، وأما مع التفاته إليها ، ونظره فيها فإنه لا يبقى معه شك ، لأنها مستلزمة للصدق ، ولا سيما بمجموعها ، فإن دلالتها على الصدق كدلالة الشمس على النهار .

وأما كفر النفاق فهو أن يظهر بلسانه الإيمان ، وينطوي بقلبه على التكذيب ، فهذا هو النفاق الأكبر ، وسيأتي بيان أقسامه إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية