الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 272 ] القول في تأويل قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [137 ] فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم

                                                                                                                                                                                                                                      "فإن آمنوا" أي أهل الكتاب الذين أرادوا أن يستتبعوكم "بمثل ما آمنتم به" أي بما آمنتم به على الوجه الذي فصل . على أن المثل مقحم . وقد قرأ ابن عباس وابن مسعود : بما آمنتم به . وقرأ أبي : بالذي آمنتم به "فقد اهتدوا" إلى الحق وأصابوه كما اهتديتم . عكس ما قالوا : كونوا مثلنا تهتدوا "وإن تولوا" أي أعرضوا عن الإيمان بما آمنتم به. "فإنما هم في شقاق" أي فما هم إلا في خلاف وعداوة وليسوا من طلب الحق في شيء .

                                                                                                                                                                                                                                      قال القاضي : ولا يكاد يقال في المعاداة على وجه الحق أو المخالفة التي لا تكون معصية إنه شقاق . وإنما يقال ذلك في مخالفة عظيمة توقع صاحبها في عداوة الله وغضبه ولعنه ، وفي استحقاق النار . فصار هذا القول وعيدا منه تعالى لهم ، وصار وصفهم بذلك دليلا على أن القوم معادون للرسول ، مضمرون له السوء ، مترصدون لإيقاعه في المحن ، فعند هذا أمنه الله تعالى من كيدهم وأمن المؤمنين من شرهم ومكرهم فقال "فسيكفيكهم الله" تقوية لقلبه وقلب المؤمنين لأنه تعالى إذا تكفل بالكفاية في أمر حصلت الثقة به . وقد أنجز وعده بقتل قريظة وسبيهم [ ص: 273 ] وإجلاء بني النضير "وهو السميع العليم" أتبع وعده بالنصر والكفاية ، بما يدل على أن ما يسرون وما يعلنون من أمرهم لا يخفى عليه تعالى . فهو يسبب لكل قول وضمير منهم ما يرد ضرره عليهم . فهو وعيد لهم ، أو وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم . أي يسمع ما تدعو به ، ويعلم نيتك وما تريده من إظهار دين الحق . وهو مستجيب لك وموصلك إلى مرادك .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية