الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون

جملة معترضة بين جملة أجزاء القصة وليست من القصة ، ومن جعلها منها فقد أبعد ، وهي تأكيد لنظيرها السابق في أول السورة . ومناسبة هذا الاعتراض أن تفاصيل القصة التي لا يعلمها المخاطبون تفاصيل عجيبة تدعو المنكرين إلى أن يتذكروا إنكارهم ويعيدوا ذكره .

[ ص: 64 ] وكون ذلك مطابقا لما حصل في زمن نوح - عليه السلام - وشاهدة به كتب بني إسرائيل يدل على صدق النبيء - صلى الله عليه وسلم - لأن علمه بذلك مع أميته وبعد قومه عن أهل الكتاب آية على أنه وحي من الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .

فالاستفهام الذي يؤذن به حرف ( أم ) المختص بعطف الاستفهام استفهام إنكاري . وموقع الإنكار بديع لتضمنه الحجة عليهم .

و أم هنا للإضراب للانتقال من غرض لغرض .

وضمير النصب عائد إلى القرآن المفهوم من السياق .

وجملة قل مفصولة عن التي قبلها لوقوعها في سياق المحاورة كما تقدم غير مرة .

وأمر النبيء - صلى الله عليه وسلم - أن يعرض عن مجادلتهم بالدليل لأنهم ليسوا بأهل لذلك إذ قد أقيمت عليهم الحجة غير مرة فلم تغن فيهم شيئا ، فلذلك أجيبوا بأنه لو فرض ذلك لكانت تبعة افترائه على نفسه لا ينالهم منها شيء .

وتقديم علي مؤذن بالقصر ، أي إجرامي علي لا عليكم فلماذا تكثرون ادعاء الافتراء كأنكم ستؤاخذون بتبعته . وهذا جار على طريقة الاستدراج لهم والكلام المنصف .

ومعنى جعل الافتراء فعلا للشرط : أنه إن كان وقع الافتراء كقوله : إن كنت قلته فقد علمته

ولما كان الافتراء على الله إجراما عدل في الجواب عن التعبير بالافتراء مع أنه المدعي إلى التعبير بالإجرام فلا حاجة إلى تقدير : فعلي إجرام افترائي .

وذكر حرف على مع الإجرام مؤذن بأن الإجرام مؤاخذ به كما تقتضيه مادة الإجرام .

[ ص: 65 ] والإجرام : اكتساب الجرم وهو الذنب ، فهو يقتضي المؤاخذة لا محالة .

وجملة وأنا بريء مما تجرمون معطوفة على جملة الشرط والجزاء ، فهي ابتدائية . وظاهرها أنها تذييل للكلام وتأييده بمقابله ، أي فإجرامي علي لا عليكم كما أن إجرامكم لا تنالني منه تبعة . ولا حاجة إلى تقدير المضاف في قوله : مما تجرمون أي تبعته وإنما هو تقدير معنى لا تقدير إعراب ، والشيء يؤكد بضده كقوله : لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد

وفي هذه الجملة توجيه بديع وهو إفادة تبرئة نفسه من أن يفتري القرآن فإن افتراء القرآن دعوى باطلة ادعوها عليه فهي إجرام منهم عليه ، فيكون المعنى وأنا بريء من قولكم الذي تجرمونه علي باطلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية