الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        74 64 - مالك ، عن نافع ، وعبد الله بن دينار ؛ أنهما أخبراه أن عبد الله بن عمر قدم الكوفة على سعد بن أبي وقاص ، وهو أميرها ، فرآه عبد الله بن عمر يمسح على الخفين . فأنكر ذلك عليه . فقال له سعد : سل أباك إذا قدمت عليه . فقدم عبد الله فنسي أن يسأل عمر عن ذلك ، حتى قدم سعد . فقال : أسألت أباك ؟ فقال : لا . فسأله عبد الله فقال عمر : إذا أدخلت رجليك في الخفين ، وهما طاهرتان ، فامسح عليهما . قال عبد الله : وإن جاء أحدنا من الغائط ؟ فقال عمر : نعم . وإن جاء أحدكم من الغائط .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        2277 - وذكرنا هذا الحديث من طرق عن عبد الله بن دينار وأبي الزبير وأبي سلمة عن عبد الرحمن كلهم عن ابن عمر بهذا المعنى .

                                                                                                                        [ ص: 256 ] 2278 - وإنكار ابن عمر على سعد إنما كان المسح في الحضر ؛ لأنه جهل مسح الخفين في الحضر . وهو بين في حديث مالك .

                                                                                                                        2279 - وفي رواية ابن جريج عن نافع في هذا الخبر : " وهو مقيم بالكوفة " وهو ظاهر حديث مالك ، وهذا يقتضي المسح للمقيم . فمن أراد رواية هذا الخبر باختلاف ألفاظه واتفاق معانيه نظره في التمهيد .

                                                                                                                        2280 - وأما قول عمر وشرطه فيه : " إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان " فقد ثبت ذلك عن النبي - عليه السلام - من حديث الشعبي ، عن عروة بن المغيرة بن شعبة ، عن أبيه ، عن النبي - عليه السلام - رواه عن الشعبي يونس بن أبي إسحاق وذكره ابن أبي زائدة ومجالد بن سعيد وغيرهم .

                                                                                                                        2281 - قال الشعبي : شهد لي عروة على أبيه ، كذلك وشهد أبوه عن النبي - عليه السلام - .

                                                                                                                        2282 - وقد ذكرت ذلك كله في " التمهيد " بالطرق والأسانيد .

                                                                                                                        2283 - وأجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يمسح على الخفين إلا من لبسهما على طهارة ، إلا أنهم اختلفوا في هذا المعنى فيمن قدم في وضوئه غسل رجليه ولبس خفيه ، ثم أتم وضوءه : هل يمسح عليهما أم لا ؟ .

                                                                                                                        2283 - وهذا إنما يصح على قول من أجاز تقديم أعضاء الوضوء بعضها على بعض ولم يوجب النسق ولا الترتيب فيها .

                                                                                                                        2284 - وهي مسألة قد ذكرناها فيما تقدم من كتابنا هذا .

                                                                                                                        2285 - وأما هذه المسألة فقال أبو حنيفة وأصحابه : من غسل رجليه ولبس خفيه ثم أكمل وضوءه أجزأه أن يمسح عليهما .

                                                                                                                        [ ص: 257 ] 2285 - وقال مالك والشافعي : لا يجزئه إلا أن يكون لبس خفيه بعد أن أكمل الوضوء .

                                                                                                                        2286 - وقال الطحاوي محتجا للكوفيين : يجوز أن يقال : إن رجليه طاهرتان إذا غسلهما ولم يكمل الطهارة قبل ذلك ، كما يقال : صلى ركعتين وإن لم يتم صلاته .

                                                                                                                        2287 - وقال غيره منهم : إنما يراعى الحدث ، والحدث لا يرد إلا على طهارة كاملة ، فهو كمن يقدم رجليه .

                                                                                                                        2288 - وحجة أصحابنا أن من لبس خفيه قبل كمال طهارته فكأنه مسحهما قبل غسل رجليه ؛ لأن في حديث المغيرة : إذا أدخلت رجليك في الخفين وأنت طاهر فامسح عليهما ، ولا يكون طاهرا إلا بكمال الطهارة .

                                                                                                                        2289 - وكذلك في حديث أبي بكرة : إذا تطهر فلبس خفيه مسح عليهما .

                                                                                                                        2290 - وهذا يقتضي أن يكون لبسه خفيه بعد تقدم طهارته على الكمال .

                                                                                                                        2291 - وأما أصحاب الشافعي فيبطلون الطهارة على غير الترتيب ، وليس عندهم على طهارة من فعل ذلك ، فكيف يمسح ؟ .

                                                                                                                        2292 - وقد تقدم القول في ذلك لهم وعليهم .

                                                                                                                        2293 - ومن هذه المسألة تفرع الجواب فيمن لبس أحد خفيه بعد غسل إحدى رجليه وقبل أن يغسل الأخرى .

                                                                                                                        [ ص: 258 ] 2294 - فقال مالك : لا يمسح على خفيه من فعل ذلك ؛ لأنه قد لبس الخف الآخر قبل تمام طهارته ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق .

                                                                                                                        2295 - وقال أبو حنيفة ، والثوري ، والمزني ، والطبري ، وداود : يجوز له أن يمسح ، وهو قول طائفة من أصحابنا منهم مطرف .

                                                                                                                        2296 - وقد أجمعوا أنه لو نزع الخف الأول بعد لبسه جاز له المسح .

                                                                                                                        2297 - وفي هذا الباب سئل مالك عن رجل توضأ وعليه خفاه وسها عن المسح عليهما حتى جف وضوءه وصلى .

                                                                                                                        2298 - قال : ليمسح على خفيه وليعد الصلاة ، ولا يعد الوضوء .

                                                                                                                        2299 - هذا لأن تبعيض الوضوء عنده سهوا لا يضره ، ولو تعمد ذلك ابتدأ الوضوء .

                                                                                                                        2300 - وهذا أصل ، قد تكرر القول فيه .




                                                                                                                        الخدمات العلمية