الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام

                                                                      826 حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن ابن أكيمة الليثي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال هل قرأ معي أحد منكم آنفا فقال رجل نعم يا رسول الله قال إني أقول مالي أنازع القرآن قال فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة من الصلوات حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو داود روى حديث ابن أكيمة هذا معمر ويونس وأسامة بن زيد عن الزهري على معنى مالك حدثنا مسدد وأحمد بن محمد المروزي ومحمد بن أحمد بن أبي خلف وعبد الله بن محمد الزهري وابن السرح قالوا حدثنا سفيان عن الزهري سمعت ابن أكيمة يحدث سعيد بن المسيب قال سمعت أبا هريرة يقول صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة نظن أنها الصبح بمعناه إلى قوله ما لي أنازع القرآن قال مسدد في حديثه قال معمر فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر به رسول الله صلى الله عليه وسلم و قال ابن السرح في حديثه قال معمر عن الزهري قال أبو هريرة فانتهى الناس و قال عبد الله بن محمد الزهري من بينهم قال سفيان وتكلم الزهري بكلمة لم أسمعها فقال معمر إنه قال فانتهى الناس قال أبو داود ورواه عبد الرحمن بن إسحق عن الزهري وانتهى حديثه إلى قوله ما لي أنازع القرآن ورواه الأوزاعي عن الزهري قال فيه قال الزهري فاتعظ المسلمون بذلك فلم يكونوا يقرءون معه فيما جهر به صلى الله عليه وسلم قال أبو داود سمعت محمد بن يحيى بن فارس قال قوله فانتهى الناس من كلام الزهري

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( انصرف ) أي فرغ ( آنفا ) بالمد ويجوز قصره يعني الآن وأراد به قريبا ( إني أقول ما لي أنازع القرآن ) بفتح الزاي ونصب القرآن على أنه مفعول ثان أي فيه كذا في الأزهار ، وفي نسخة بكسر الزاي ، وفي شرح المصابيح لابن الملك قيل على صيغة المجهول أي أداخل في القراءة وأشارك فيها وأغالب عليها . كذا في المرقاة . قال الخطابي : معناه أداخل في القراءة وأغالب عليها ، وقد تكون المنازعة بمعنى المشاركة [ ص: 38 ] والمداولة ومنه منازعة الكأس في المدام وقال في النهاية : أي أجاذب في قراءته كأنهم جهروا بالقراءة خلفه فشغلوه فالتبست عليه القراءة وأصل النزع الجذب ومنه نزع الميت بروحه ( فانتهى الناس عن القراءة إلخ ) زاد البخاري في جزء القراءة : وقرءوا في أنفسهم سرا فيما لا يجهر فيه الإمام .

                                                                      واعلم أن قوله : " فانتهى الناس إلخ " ليس من الحديث بل هو مدرج من كلام الزهري بينه الخطيب واتفق عليه البخاري في التاريخ وأبو داود ويعقوب بن سفيان والذهلي والخطابي وغيرهم . كذا قال الحافظ في التلخيص . وقال البخاري في جزء القراءة : وقوله فانتهى الناس من كلام الزهري وقد بينه لي الحسن بن صباح قال حدثنا مبشر عن الأوزاعي قال الزهري فاتعظ المسلمون بذلك فلم يكونوا يقرءون فيما جهر . وقال مالك قال ربيعة للزهري : إذا حدثت فبين كلامك من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - انتهى . وقال البيهقي في المعرفة قوله فانتهى الناس عن القراءة من قول الزهري قاله محمد بن يحيى الذهلي صاحب الزهريات ، ومحمد بن إسماعيل البخاري وأبو داود ، واستدلوا على ذلك برواية الأوزاعي حين ميزه من الحديث وجعله من الزهري . وكيف يصح ذلك عن أبي هريرة [ ص: 39 ] وأبو هريرة يأمر بالقراءة خلف الإمام فيما جهر به وفيما خافت . انتهى مختصرا . والحديث استدل به القائلون بأنه لا يقرأ المؤتم خلف الإمام في الجهرية وهو خارج عن محل النزاع ، لأن الكلام في قراءة المؤتم خلف الإمام سرا والمنازعة إنما تكون مع جهر المؤتم لا مع إسراره . وأيضا لو سلم دخول ذلك في المنازعة لكان هذا الاستفهام الذي للإنكار عاما لجميع القرآن أو مطلقا في جميعه ، وحديث عبادة خاصا ومقيدا ، وبناء العام على الخاص واجب كما تقرر في الأصول ، كذا في النيل .

                                                                      قلت : قد عرفت أن جملة " فانتهى الناس إلخ " ليست من الحديث . وأما الحديث فقال الترمذي بعد إخراجه : هذا حديث حسن . لكن قال النووي : وأنكر الأئمة على الترمذي تحسينه واتفقوا على ضعف هذا الحديث لأن ابن أكيمة مجهول ، كذا قال علي القاري في المرقاة . وقال بعد أسطر : قال ميرك نقلا عن ابن الملقن : حديث أبي هريرة رواه مالك والشافعي والأربعة ، وقال الترمذي : حسن وصححه ابن حبان وضعفه الحميدي والبيهقي انتهى . وبهذا يعلم أن قول النووي : اتفقوا على ضعف هذا الحديث غير صحيح .

                                                                      قلت : لكن الأكثرين على ضعفه ولو سلم صحته فلا يتم الاستدلال به على ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر كما تقدم . قال الترمذي : ليس في هذا الحديث ما يدخل على من رأى القراءة خلف الإمام لأن أبا هريرة هو الذي روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من صلى صلاة [ ص: 40 ] لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج غير تمام ، فقال له حامل الحديث : إني أكون أحيانا وراء الإمام . قال : اقرأ بها في نفسك . وروى أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة قال : أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أنادي أن لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب . انتهى .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن ، وابن أكيمة الليثي اسمه عمارة ويقال عمرو بن أكيمة ، وذكر الترمذي أن اسمه عامر وقيل عمار ويقال يزيد وقيل عباد وأن كنيته أبو الوليد ( على معنى مالك ) أي على معنى حديثه لا على لفظه . [ ص: 41 ] ( عن الزهري ) محمد بن شهاب ( قال ) أي الزهري ( سمعت ابن أكيمة ) بضم الهمزة وفتح الكاف مصغر أكمة . قال أبو حاتم : صحيح الحديث ، وفي التقريب وشرح الزرقاني على الموطإ : ثقة ، وقال البيهقي في المعرفة : هذا حديث تفرد به ابن أكيمة وهو مجهول ، ولم يكن عند الزهري من معرفته أكثر من أن رآه يحدث سعيد بن المسيب ، واختلفوا في اسمه فقيل : عمارة وقيل : عمار . قاله البخاري انتهى ( يحدث ) أي ابن أكيمة ( سعيد بن المسيب ) : مفعول يحدث وهذه الجملة حال ، أي يقول الزهري إني سمعت ابن أكيمة حال كون ابن أكيمة يحدث بهذا سعيد بن المسيب ( قال ) ابن أكيمة ( سمعت أبا هريرة ) وفي الموطأ مالك عن ابن شهاب عن ابن أكيمة الليثي عن أبي هريرة ، وفي رواية للطحاوي من طريق الأوزاعي حدثني الزهري عن سعيد عن أبي هريرة ( بمعناه ) أي بمعنى الحديث المتقدم ( قال مسدد في حديثه قال معمر إلخ ) حاصل كلام المؤلف أن معمرا قد اختلف عليه فمعمر تارة . قوله " فانتهى . . . إلخ " من كلام أبي هريرة وأما غيره من أصحاب الزهري كسفيان وعبد الرحمن بن إسحاق والأوزاعي ومحمد بن يحيى بن فارس فيجعلانه من كلام الزهري .




                                                                      الخدمات العلمية