الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 451 ] قوله عز وجل:

لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين

قوله تعالى: لخلق السماوات والأرض الآية توبيخ لهؤلاء الكفرة المتكبرين، كأنه تعالى قال: مخلوقات الله تعالى أكبر وأجل قدرا من خلق البشر، فما لأحد منهم يتكبر على خالقه، ويحتمل أن يكون الكلام في معنى البعث والإعادة، فأعلم تعالى أن الذي خلق السماوات والأرض قوي قادر على خلق الناس تارة أخرى، و"الخلق" - على هذا التأويل - مصدر مضاف إلى المفعول. وقال النقاش : المعنى: مما يخلق الناس; إذ هم في الحقيقة لا يخلقون شيئا، فالخلق في قوله تعالى: من خلق الناس مضاف إلى الفاعل على هذا التأويل.

وقوله تعالى: ولكن أكثر الناس يقتضي أن الأقل منهم يعلم ذلك، ولذلك مثل الأكثر الجاهل بالأعمى، والأقل العالم بالبصير، وجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات يعادلهم قوله: المسيء ، وهو اسم جنس يعم المسيئين. وأخبر تعالى أن هؤلاء لا يستوون، فكذلك الأكثر الجهلاء من الناس لا يستوون مع الأقل الذين يعلمون.

وقرأ أكثر القراء، والأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة والحسن : [يتذكرون] بالياء على الكناية عن الغائب، وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وقتادة ، وطلحة ، وعيسى ، وأبو عبد الرحمن : "تتذكرون" بالتاء من فوق على المخاطبة، والمعنى: قل لهم يا محمد. ثم جزم تعالى الإخبار بأن الساعة آتية، وهي القيامة المتضمنة للبعث من القبور، والحساب بين يدي الله تعالى، واقتران الجمع إلى الجنة وإلى النار. وقوله تعالى: لا ريب فيها أي في ذاتها ونفسها، وإن وجد من العالم من يرتاب فيها فليست فيها في نفسها ريبة.

[ ص: 452 ] وقوله تعالى: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم آية تفضل ونعمة ووعد لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بالإجابة عند الدعاء، وهذا الوعد مقيد بشرط المشيئة لمن شاء تعالى، لا أن الاستجابة عليه حتم لكل داع، لا سيما لمن تعدى في دعائه، فقد عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء الذي قال: اللهم أعطني القصر الأبيض الذي عن يمين الجنة. وقالت فرقة: معنى [ادعوني]: اعبدوني، و[أستجب] معناه: بالثواب والنصر، ويدل على هذا التأويل قوله تعالى: إن الذين يستكبرون عن عبادتي ، ويحتج له لحديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء هو العبادة"، وقرأ هذه الآية. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المعنى: وحدوني أغفر لكم، وقيل للثوري: ادع الله تعالى فقال: إن ترك الذنوب هو الدعاء.

وقرأ ابن كثير ، وأبو جعفر ، "سيدخلون" بضم الياء وفتح الخاء، وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائي ، وابن عامر ، والحسن ، وشيبة : [سيدخلون] بفتح الياء وضم الخاء، واختلف عن أبي عمرو ، وعن عاصم ، و"الداخر": هو الصاغر الذليل.

التالي السابق


الخدمات العلمية