الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين

قوله تعالى ولقد خلقناكم ثم صورناكم لما ذكر نعمه ذكر ابتداء خلقه . وقد تقدم معنى الخلق في غير موضع ثم صورناكم أي خلقناكم نطفا ثم صورناكم ثم إنا نخبركم أنا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم . وعن ابن عباس والضحاك وغيرهما : المعنى خلقنا آدم ثم صورناكم في ظهره . وقال الأخفش : " ثم " بمعنى الواو . وقيل : المعنى ولقد خلقناكم يعني آدم عليه السلام ، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، ثم صورناكم ; على التقديم والتأخير . وقيل : ولقد خلقناكم يعني آدم ; ذكر بلفظ الجمع لأنه أبو البشر . ثم صورناكم راجع إليه أيضا . كما يقال : نحن قتلناكم ; أي قتلنا سيدكم .

ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم وعلى هذا لا تقديم ولا تأخير ; عن ابن عباس أيضا . وقيل : المعنى ولقد خلقناكم ، يريد آدم وحواء ; فآدم من التراب وحواء من ضلع من أضلاعه ، ثم وقع التصوير بعد ذلك . فالمعنى : ولقد خلقنا أبويكم ثم صورناهما ; قاله الحسن . وقيل : المعنى خلقناكم في ظهر آدم ثم صورناكم حين أخذنا عليكم الميثاق . هذا قول مجاهد ، رواه عنه ابن جريج وابن أبي نجيح . قال النحاس : وهذا أحسن الأقوال . يذهب مجاهد إلى أنه خلقهم في ظهر آدم ، ثم صورهم حين أخذ عليهم الميثاق ، ثم كان السجود بعد . ويقوي هذا وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم [ ص: 153 ] والحديث أنه أخرجهم أمثال الذر فأخذ عليهم الميثاق . وقيل : " ثم " للإخبار ، أي ولقد خلقناكم يعني في ظهر آدم صلى الله عليه وسلم ، ثم صورناكم أي في الأرحام . قال النحاس : هذا صحيح عن ابن عباس . قلت : كل هذه الأقوال محتمل ، والصحيح منها ما يعضده التنزيل ; قال الله تعالى : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين يعني آدم . وقال : وخلق منها زوجها . ثم قال : جعلناه أي جعلنا نسله وذريته نطفة في قرار مكين الآية . فآدم خلق من طين ثم صور وأكرم بالسجود ، وذريته صوروا في أرحام الأمهات بعد أن خلقوا فيها وفي أصلاب الآباء . وقد تقدم في أول سورة " الأنعام " أن كل إنسان مخلوق من نطفة وتربة ; فتأمله وقال هنا : خلقناكم ثم صورناكم وقال في آخر الحشر : هو الله الخالق البارئ المصور . فذكر التصوير بعد البرء . وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى . وقيل : معنى ولقد خلقناكم أي خلقنا الأرواح أولا ثم صورنا الأشباح آخرا .

قوله تعالى إلا إبليس لم يكن من الساجدين استثناء من غير الجنس . وقيل : من الجنس . وقد اختلف العلماء : هل كان من الملائكة أم لا . كما سبق بيانه في " البقرة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية