الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 453 ] قوله عز وجل:

الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين

هذا تنبيه على آيات الله تعالى، وعبر متى تأملها العاقل أدته إلى توحيد الله تبارك وتعالى والإقرار بربوبيته، وقوله تعالى: والنهار مبصرا مجازه: يبصر فيه، كما تقول: نهار صائم وليل قائم. وقوله تعالى: خالق كل شيء خالق كل شيء مخلوق، وما يستحيل أن يكون مخلوقا كالقرآن والصفات فليس يدخل في هذا العموم، وهذا كما قال تعالى: تدمر كل شيء معناه: كل شيء مبعوث لتدميره. وقرأت فرقة: "تؤفكون" بالتاء، وفرقة: "يؤفكون" بالياء، والمعنى في القراءة الأولى: قل لهم، و"تؤفكون" معناه: تصرفون على طريق النظر والهدى، وهذا تقرير بمعنى التوبيخ والتقريع.

ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: كذلك يؤفك أي: على هذه الهيئة وبهذه الصفة صرف الله تعالى الكفار الجاحدين بآيات الله سبحانه وتعالى من الأمم المتقدمة على طريق الهدى، ثم بين نعمته سبحانه وتعالى في أن جعل الأرض قرارا ومهادا للعباد، والسماء بناء وسقفا. وقرأ الناس: "صوركم" بضم الصاد، وقرأ أبو رزين بكسرها، وقرأت فرقة: "صوركم" بسكون الواو على نحو بسرة وبسر.

وقوله تعالى: من الطيبات يريد: من المستلذات طعما ولبسا ومكاسب وغير [ ص: 454 ] ذلك، ومتى جاء ذكر الطيبات بقرينة "رزقكم" ونحو فهو المستلذ، ومتى جاء بقرينة تحليل أو تحريم - كما قال تعالى: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ، وكما قال: ويحل لهم الطيبات - فالطيبات في مثل هذا: الحلال، وعلى هذا النظر يخرج مذهب مالك رحمه الله تعالى في الطيبات والخبائث، وقول الشافعي رحمه الله تعالى: إن الطيبات هي المستلذات والخبائث هي المستقذرات ضعيف ينكسر بمستلذات محرمة ومستقذرات محللة لا رد له في صدرها، وأما حيث وقعت الطيبات مع الرزق فإنما هي تعديد نعمة فيما يستحسنه البشر لا سيما هذه الآية التي هي مخاطبة للكفار، فإنما عددت عليهم النعمة التي يعتقدونها نعمة. وباقي الآية بين.

التالي السابق


الخدمات العلمية