الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              [ ص: 239 ] 368 - بشر بن منصور السليمي

              ومنهم المتعبد العليم ، المتوجد السليم ، بشر بن منصور السليمي ، رحمه الله ، استحلى الوحدة والأذكار ، وسلم من الفتنة والأخطار .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن الحسين بن نصر ، ثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير ، حدثني العباس بن الوليد بن نصر ، قال : أتينا بشر بن منصور بعد العصر ، فخرج إلينا وكأنه متغير ، فقلت له : يا أبا محمد لعلنا شغلناك عن شيء ؟ فرد ردا ضعيفا ، ثم قال :ما أكتمكم - أو كلمة نحوها - كنت أقرأ في المصحف - أي شغلتموني - ثم قال لنا : ما أكاد ألقى أحدا فأربح عليه شيئا ، أو نحو هذا ، قال : وكان بشر بن منصور يستحب أن يصلي بالأوقات ولا يتحرى .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن نصر الحذاء ، ثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثني عبد الرحمن بن مهدي ، قال : كان بشر بن منصور يقول لي : اجعل العلم فضلا - يعني في الساعات التي لا شغل فيها - .

              حدثنا أبو محمد ، ثنا أحمد بن نصر ، ثنا أحمد ، ثنا عبد الرحمن ، قال : واعدت بشر بن منصور أنا وأبو الخصيب عبد الله بن ثعلبة ، وبشر بن السري ، في أن نأتيه ، فلما أتيناه قال : استخرت الله في مجيئكم إلي فكان الغالب على قلبي أن لا تجيئوا ، قال عبد الرحمن : وأتاني مرة في حاجة فقلت له : ألا بعثت إلي حتى آتيك . قال : لا ، الحاجة لي ، قال عبد الرحمن : وعرضت عليه دابة يركب يرجع عليها ؟ قال : أكره أن أعود نفسي هذه العادة ، قال عبد الرحمن : وبنى عيسى بن جعفر بركة ، فكان لا يشرب من مائها ويبعث إلى النهر جارية له فتجيئه بجرة ، فقال لو كنت غنيا لم يفطن لي ، كنت أرسل من يستقي لي على حمار ، ثم تدارك كلمته فقال : أستغفر الله إني لبخير إني لبخير ، قال عبد الرحمن : فكان بشر بن منصور يكره أن يشتري من رجل بنى كويخا في غير حقه .

              [ ص: 240 ] حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا عمارة بن يحيى أبو حمزة ، قال : قلت لعبد الرحمن بن مهدي : أيبعث الرجل بالسلام إلى أهل الرجل ؟ قال : نعم ! وقد كان بشر بن منصور - ولم أر مثله قط - إذا أتاني بعث إلى أهلنا بالسلام ، وإن حفظ الإخاء من الدين ، والكرم من الدين ، قال : وسألت عبد الرحمن عن الرجل يسلم على القوم وهم يأكلون وهو صاحب هوى أو فاسق ، أيدعونه إلى طعامهم ؟ قال : نعم ! قال لي بشر بن منصور : إني لأدعو إلى طعامي من لو نبذت إلى الكلب كان أحب إلي من أن يأكله ، قال عبد الرحمن : وليتق الرجل دناءة الأخلاق كما يتقي الحرام .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد الحذاء ، ثنا الدورقي ، حدثني عباس بن الوليد بن نصر ، قال : ربما قبض بشر على لحيته ويقول : أطلب الرياسة بعد سبعين سنة ؟ وقال بشر : إن لكل شيء ميدعا فاجعل لنفسك ميدعا ، قال عباس : يقول لكل شيء وقاية ، فاجعل لنفسك وقاية ، لا تحمل على نفسك حملا تغلب .

              حدثنا أبو محمد ، ثنا أحمد الدورقي ، حدثني غسان بن الفضل ، قال : كان بشر بن منصور من الذين إذا رؤوا ذكر الله ، وإذا رأيت وجهه ذكرت الآخرة ، رجل منبسط ليس بمتماوت ، ذكي فقيه .

              قال : وحدثني غسان بن الفضل ، حدثني أبو إسحاق الشامي قال : قال فلان - وسمى رجلا : حج العام بشر بن منصور ، ومحمد بن يوسف ، إني أراه سيغفر العام لأهل الموسم .

              قال : وحدثني غسان قال : قال شقيق العصفري لبشر بن منصور : يسرك أن لك مائة ألف ؟ فقال : لأن تندرا - وأشار إلى عينيه - أحب إلي من ذاك .

              قال غسان : وكان بشر رجلا من العرب ، وعلم بنيه عمل الخوص .

              قال : وحدثني غسان ، حدثني أسيد بن جعفر بن أخي بشر بن منصور ، قال : بشر بن منصور ما فاتته التكبيرة الأولى قط ، ولا رأيته قام في مسجدنا سائل قط فلم يعط شيئا إلا أعطاه ، وأوصاني في كتبه أن اغسلها أو ادفنها ، قال غسان : وكنت أرى بشرا إذا رآه الرجل من إخوانه قام معه حتى يأخذ بركابه ، وفعل بي ذاك كثيرا ، وقال لي بشر : [ ص: 241 ] رأيت من يأتي الفقهاء والقصاص أرق قلبا ممن لا يأتي القصاص .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن الحسن ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي ، حدثني عبد الخالق أبو همام الزهراني ، قال : قال بشر بن منصور : أقل من معرفة الناس فإنك لا تدري ما يكون ، قال : فإن كان شيء - يعني فضيحة في القيامة - كان من يعرفك قليلا .

              قال : وحدثنا سهل بن منصور ، قال : كان بشر يصلي يوما فأطال الصلاة ورأى رجلا ينظر إليه ففطن له بشر ، فقال للرجل : لا يعجبك ما رأيت مني فإن إبليس قد عبد الله مع الملائكة كذا وكذا .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أحمد بن الحسن ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : قلت لبشر بن منصور : إنا لنجلس مجلس خير وبركة ، قال : نعم المجلس ، قال : قلت له : إنه ربما لم يجلس إلي فكأني أغتم ، قال : إن كنت تشتهي أن يجلس إليك اترك هذا المجلس .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني زهير السجستاني أبو عبد الرحمن ، قال : سمعت بشر بن منصور ، يقول : ما جلست إلى أحد ولا جلس إلي أحد ، فقمت من عنده أو قام من عندي ، إلا علمت أني لو لم أقعد إليه ، أو يقعد إلي كان خيرا لي .

              حدثنا عبد الله ، ثنا أحمد ، ثنا أحمد ، حدثني محمد بن عبد الله الأنصاري ، ثنا أيوب بن عبد الله الأنصاري ، قال : كنا عند بشر بن منصور فحدثنا فقال : لقد فاتني منذ كنت معلما خير كثير أو شيء كثير .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا عبد الله بن محمد بن عبيد ، قال علي بن المديني : بلغني عن عبد الرحمن بن مهدي ، قال : قال بشر بن منصور : إني لأذكر الشيء من أمر الدنيا ألهي به نفسي عن ذكر الآخرة أخاف على عقلي .

              حدثنا محمد بن جعفر ، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن جميل ، ثنا علي بن مسلم ، ثنا سيار ، ثنا بشر بن المفضل ، قال : رأيت بشر بن منصور في المنام فقلت : [ ص: 242 ] يا أبا محمد ، ما صنع الله بك ؟ قال : وجدت الأمر أهون مما كنت أحمل على نفسي .

              حدثنا محمد بن أحمد بن عمر ، ثنا أبي ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، ثنا محمد بن قدامة ، قال : لما احتضر بشر بن منصور قيل له : أوص بدينك ، قال : أنا أرجو ربي لذنبي ، أفلا أرجوه لديني ؟ فلما مات قضى عنه دينه بعض إخوانه .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن روح ، حدثني حسين بن الحسن ، عن ابن عيينة ، قال : قال رجل لبشر بن منصور : عظني ، قال : عسكر الموتى ينتظرونك .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية