الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " يمحو الله ما يشاء ويثبت " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم : " ويثبت " ساكنة الثاء خفيفة الباء . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : " ويثبت " مشددة الباء مفتوحة الثاء . قال أبو علي : المعنى : ويثبته ، فاستغنى بتعدية الأول من الفعلين عن تعدية الثاني .

                                                                                                                                                                                                                                      واختلف المفسرون في المراد بالذي يمحو ويثبت على ثمانية أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أنه عام في الرزق ، والأجل ، والسعادة ، والشقاوة ، وهذا مذهب عمر ، وابن مسعود ، وأبي وائل ، والضحاك ، وابن جريج .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنه الناسخ والمنسوخ ، فيمحو المنسوخ ، ويثبت الناسخ ، روى هذا المعنى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، وقتادة ، والقرظي ، وابن زيد . وقال ابن قتيبة : " يمحو الله ما يشاء " أي : ينسخ من القرآن ما يشاء " ويثبت " أي : يدعه ثابتا لا ينسخه ، وهو المحكم .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أنه يمحو ما يشاء ، ويثبت ، إلا الشقاوة والسعادة ، والحياة والموت ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، ودليل هذا القول ما روى مسلم في " صحيحه " من حديث حذيفة بن أسيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا مضت على النطفة خمس وأربعون ليلة ، يقول الملك الموكل : أذكر أم أنثى ؟ فيقضي [ ص: 338 ] الله تعالى ، ويكتب الملك ، فيقول : أشقى أم سعيد ؟ فيقضي الله ، ويكتب الملك ، فيقول : عمله وأجله ؟ فيقضي الله ، ويكتب الملك ،ثم تطوى الصحيفة ، فلا يزاد فيها ولا ينقص منها " .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع : يمحو ما يشاء ويثبت ، إلا الشقاوة والسعادة لا يغيران ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس : يمحو من جاء أجله ، ويثبت من لم يجئ أجله ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      والسادس : يمحو من ذنوب عباده ما يشاء فيغفرها ، ويثبت ما يشاء فلا يغفرها ، روي عن سعيد بن جبير .

                                                                                                                                                                                                                                      والسابع : يمحو ما يشاء بالتوبة ، ويثبت مكانها حسنات ، قاله عكرمة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثامن : يمحو من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ، ويثبت ما فيه ثواب وعقاب ، قاله الضحاك ، وأبو صالح . وقال ابن السائب : القول كله يكتب ، حتى إذا كان في يوم الخميس ، طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب ، مثل قولك : أكلت ، شربت ، دخلت ، خرجت ، ونحوه ، وهو صادق ، ويثبت ما فيه الثواب والعقاب .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وعنده أم الكتاب " قال الزجاج : أصل الكتاب . قال المفسرون : [ ص: 339 ] وهو اللوح المحفوظ الذي أثبت فيه ما يكون ويحدث . وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله تعالى في ثلاث ساعات يبقين من الليل ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت " . وروى عكرمة عن ابن عباس قال : هما كتابان ، كتاب سوى أم الكتاب يمحو منه ما يشاء ويثبت ، وعنده أم الكتاب لا يغير منه شيء .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية