الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ العشرون ] الفائدة الأولى التصرفات للغير بدون إذنه هل تقف على إجازته أم لا ويعبر عنها بتصرف الفضولي وتحتها أقسام ( القسم الأول ) أن تدعو الحاجة إلى التصرف في مال الغير أو حقه ويتعذر استئذانه إما للجهل بعينه أو لغيبته ومشقة انتظاره فهذا التصرف مباح جائز موقوف على الإجازة وهو في الأموال غير مختلف فيه في المذهب وغير محتاج إلى إذن حاكم على الصحيح ، وفي الإبضاع مختلف فيه غير أن الصحيح من المذهب جوازه أيضا وفي افتقاره إلى الحاكم خلاف ، فأما الأموال فكالتصرف باللقطة التي لا تملك وكالتصديق بالودائع والغصوب التي لا يعرف ربها أو انقطع خبره .

وقد سبق في القواعد استقصاء هذا النوع ويكون ذلك موقوفا فإن أجازه المالك وقع له أجره وإلا ضمنه المتصرف وكان أجره له صرح به الصحابة رضي الله عنهم وأما الإبضاع فتزويج امرأة المفقود إذا كانت غيبته ظاهرها الهلاك فإن امرأته تتربص أربع سنين ثم تعتد وتباح للأزواج وفي توقف ذلك على الحاكم روايتان .

واختلف في مأخذهما فقيل ; لأن أمارات موته طاهرة فهو كالميت حكما وقيل بل لأن انتظاره يعظم به الضرر على زوجته فيباح لها فسخ نكاحه كما لو ضارها بالغيبة وامتنع من القدوم مع المراسلة وعلى هذين المأخذين ينبني أن الفرقة هل تبطل ظاهرا وباطنا أو ظاهرا فقط وتبني الاختلاف في طلاق المولى لها وله ، مأخذ ثالث وهو الأظهر وهو أن الحاجة دعت هنا إلى التصرف في حقه من بضع الزوجة بالفسخ عليه فيصح الفسخ ويزوجها بغيره ابتداء للحاجة فإن لم يظهر فالأمر على ما هو عليه وإن ظهر فإن ذلك موقوف على إجازته فإذا قدم فإن شاء أمضاه وإن شاء رده .

والقسم الثاني : أن لا تدعو الحاجة إلى هذا التصرف ابتداء بل إلى صحته وتنفيذه بأن تطول مدة التصرف وتكثر ويتعدد استرداد أعيان أمواله فالأصحاب فيه طريقان أشهرهما أنه على الخلاف الآتي ذكره .

والثاني : أنه ينفذها هنا بدون إجازة دفعا لضرر المالك بتفويت الربح وضرر المشتري بتحريم ما قبضوه بهذه العقود وهذه طريقة صاحب التلخيص في باب المضاربة وصاحب المغني في موضع منه والقسم الثالث أن لا تدعو الحاجة إلى ذلك ابتداء ولا دواما فهذا القسم في بطلان التصرف فيه من أصله ووقوفه على إجازة المالك وتنفيذه [ ص: 418 ] روايتان معروفتان ، واعلم أن لتصرف الشخص في مال غيره حالتان ( إحداهما ) أن يتصرف فيه لمالكه فهذا محل الخلاف الذي ذكرناه وهو نائب في التصرف في ماله بالبيع والإجارة ونحوهما .

وأما في النكاح فللأصحاب فيه طريقان : أحدهما إجراؤه على الخلاف وهو ما قال القاضي والأكثرون والثاني الجزم ببطلانه قولا واحدا وهو طريق أبي بكر وابن أبي موسى ونص أحمد على التفريق بينهما في رواية ابن القاسم فعلى هذا لو زوج المرأة أجنبي ثم أجاز الولي لم ينفذ بغير خلاف كما لو زوجت المرأة نفسها ، نعم لو زوج غير الأب من الأولياء الصغيرة بدون إذنها أو زوج الولي الكبيرة بدون إذنها فهل يبطل من أصله أو يقف على إجازتها على روايتين ذكر ذلك ابن أبي موسى .

( الحالة الثانية ) : أن يتصرف لنفسه وهو الغاصب ومن يتملك مال غيره لنفسه فيجيزه له المالك فأما الغاصب فذكر أبو الخطاب في جميع تصرفاته الحكمية : روايتين :

إحداهما البطلان

والثانية : الصحة قال وسواء في ذلك العبادات كالطهارة والزكاة والحج والعقود كالبيع والإجارة والنكاح وعلى ذلك جماعة ممن بعده ثم منهم من أطلق هذا الخلاف غير مقيد بالوقف على الإجازة ومنهم من قيده بها كالقاضي في خلافه وابن عقيل وصاحب المغني في موضع من كلامهما فإن أريد بالصحة من غير وقف على الإجازة ووقوع التصرف من المالك وإفادة ذلك للمالك له فهو الطريق الثاني في القسم الثاني الذي سبق ذكره وإن أريد الوقوع للغاصب من غير إجازة ففاسد قطعا في صورة شرائه في الذمة إذا نفذ المال من المغصوب فإن الملك ثبت له فيها نص عليه في رواية المروذي ولا ينافي ذلك قولنا : إن الربح للمالك ; لأنه فائدة ماله ويلزمه فيختص به وإن كان أصل الملك لغيره صرح به القاضي في خلافه

التالي السابق


الخدمات العلمية