الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون

                                                                                                                                                                                                                                      6- لما قدم ذكر أوليائه بصفاتهم المقربة إليه، وبين أن الكتاب هدى لهم،، قفى على أثره بذكر أضدادهم، وهو العتاة المردة الذين لا ينفع فيهم الهدى بقوله: إن الذين كفروا الكفر: ستر الحق بالجحود. والتركيب دال على الستر، ولذا سمي الزارع كافرا، وكذا الليل. ولم يأت بالعاطف هنا كما في قوله: إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم [الانفطار: 13-14] ; لأن الجملة هنا مسوقة لذكر الكتاب بيانا، لا خبرا عن المؤمنين، وسيقت الثانية للإخبار عن الكفار بكذا. فبين الجملتين تفاوت في المراد، وهما على حد لا مجال للعطف فيه. وإن كان مبتدأ على تقدير فهو كالجاري عليه. والمراد بالذين كفروا: أناس بأعيانهم علم الله أنهم لا يؤمنون، كأبي جهل، وأبي لهب، وأضرابهما سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم بهمزتين، كوفي. وسواء بمعنى الاستواء، وصف به كما يوصف بالمصادر، ومنه قوله تعالى: إلى كلمة سواء [آل عمران: 64] أي: مستوية. وارتفاعه على أنه خبر لإن و أأنذرتهم أم لم تنذرهم مرتفع به على الفاعلية، كأنه قيل: إن الذين كفروا مستو عليهم إنذارك وعدمه، أو يكون سواء خبرا مقدما و أأنذرتهم أم لم تنذرهم في [ ص: 45 ] موضع الابتداء، أي: سواء عليهم إنذارك وعدمه، والجملة خبر لإن. وإنما جاز الإخبار عن الفعل، مع أنه خبر أبدا; لأنه من جنس الكلام المهجور فيه جانب اللفظ إلى جانب المعنى. والهمزة وأم مجردتان لمعنى الاستواء، وقد انسلخ عنهما معنى الاستفهام رأسا. قال سيبويه: جرى هذا على حرف الاستفهام، كما جرى على حرف النداء في قولك: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة. يعني: إن هذا جرى على صورة الاستفهام ولا استفهام، كما جرى ذلك على صورة النداء ولا نداء. والإنذار: التخويف من عقاب الله بالزجر عن المعاصي لا يؤمنون جملة مؤكدة للجملة قبلها، أو خبر لإن، والجملة قبلها اعتراض، أو خبر بعد خبر. والحكمة في الإنذار مع العلم بالإصرار إقامة الحجة، وليكون الإرسال عاما، وليثاب الرسول صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية