الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                              قوله تعالى: وبشر الصابرين (155) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون

                                                                                                                                                                                              الرضا فضل مندوب إليه، مستحب، والصبر واجب على المؤمن حتم . وفي الصبر خير كثير، فإن الله أمر به، ووعد عليه جزيل الأجر . قال الله عز وجل: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وقال: وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون قال الحسن: الرضا عزيز، ولكن الصبر معول المؤمن .

                                                                                                                                                                                              والفرق بين الرضا والصبر: أن الصبر: كف النفس وحبسها عن التسخط مع وجود الألم، وتمني زوال ذلك، وكف الجوارح عن العمل : بمقتضى الجزع، والرضا: انشراح الصدر وسعته بالقضاء، وترك تمني زوال ذلك المؤلم، وإن وجد الإحساس بالألم، لكن الرضا يخففه، لما يباشر [ ص: 132 ] القلب من روح اليقين والمعرفة، وإذا قوي الرضا، فقد يزيل الإحساس بالألم بالكلية . كان العقلاء في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سمعوا كلامه وما يدعو إليه، عرفوا أنه صادق، وأنه جاء بالحق، وإذا سمعوا كلام مسيلمة، عرفوا أنه كاذب، وأنه جاء بالباطل، وقد روي أن عمرو بن العاص سمعه قبل إسلامه يدعي أنه أنزل عليه: يا وبر يا وبر، لك أذنان وصدر، وإنك لتعلم يا عمرو ، فقال: والله إني لأعلم أنك تكذب .

                                                                                                                                                                                              وقال بعض المتقدمين: صور ما شئت في قلبك، وتفكر فيه، ثم قسه إلى ضده، فإنك إذا ميزت بينهما، عرفت الحق من الباطل، والصدق من الكذب، قال: كأنك تصور محمدا - صلى الله عليه وسلم -، ثم تتفكر فيما أتى به من القرآن فتقرأ: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس الآية، ثم تتصور ضد محمد - صلى الله عليه وسلم - تجده مسيلمة، فتتفكر فيما جاء به فتقرأ:

                                                                                                                                                                                              ألا يا ربة المخدع . لقد هيئ لك المضجع



                                                                                                                                                                                              يعني: قوله لسجاح حين تزوج بها، قال: فترى هذا - يعني القرآن - رصينا عجيبا، يلوط بالقلب، ويحسن في السمع، وترى ذا - يعني قول مسيلمة - باردا غثا فاحشا، فتعلم أن محمدا حق أتي بوحي، وأن مسيلمة كذاب أتي بباطل .

                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية