الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      خديجة أم المؤمنين

                                                                                      وسيدة نساء العالمين في زمانها أم القاسم ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب ، القرشية الأسدية . أم أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأول من آمن به وصدقه قبل كل أحد وثبتت جأشه ، ومضت به إلى ابن عمها ورقة . [ ص: 110 ]

                                                                                      ومناقبها جمة . وهي ممن كمل من النساء . كانت عاقلة جليلة دينة مصونة كريمة ، من أهل الجنة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثني عليها ، ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين ، ويبالغ في تعظيمها ، بحيث إن عائشة كانت تقول : ما غرت من امرأة ما غرت من خديجة ، من كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها .

                                                                                      ومن كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنه لم يتزوج امرأة قبلها ، وجاءه منها عدة أولاد ، ولم يتزوج عليها قط ، ولا تسرى إلى أن قضت نحبها ، فوجد لفقدها ، فإنها كانت نعم القرين . وكانت تنفق عليه من مالها ، ويتجر هو صلى الله عليه وسلم لها .

                                                                                      وقد أمره الله أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب .

                                                                                      الواقدي : حدثنا ابن أبي حبيبة ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس وابن أبي الزناد ، عن هشام ، وروى عن جبير بن مطعم : أن عم خديجة ، عمرو بن أسد ، زوجها بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأن أباها مات قبل [ ص: 111 ] الفجار . ثم قال الواقدي : هذا المجتمع عليه عند أصحابنا ، ليس بينهم اختلاف .

                                                                                      الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بنت ثمان وعشرين سنة .

                                                                                      قال الزبير بن بكار : كانت خديجة تدعى في الجاهلية الطاهرة . وأمها هي فاطمة بنت زائدة العامرية .

                                                                                      كانت خديجة - أولا - تحت أبي هالة بن زرارة التميمي ، ثم خلف عليها بعده عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، ثم بعده النبي صلى الله عليه وسلم ، فبنى بها وله خمس وعشرون سنة . وكانت أسن منه بخمس عشرة سنة .

                                                                                      عن عائشة : أن خديجة توفيت قبل أن تفرض الصلاة وقيل : توفيت [ ص: 112 ] في رمضان ودفنت بالحجون عن خمس وستين سنة .

                                                                                      وقال مروان بن معاوية ، عن وائل بن داود ، عن عبد الله البهي ، قال : قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار لها ، فذكرها يوما ، فحملتني الغيرة ، فقلت : لقد عوضك الله من كبيرة السن . قالت : فرأيته غضب غضبا . أسقطت في خلدي وقلت في نفسي : اللهم إن أذهبت غضب رسولك عني لم أعد أذكرها بسوء ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما لقيت ، قال : كيف قلت ؟ والله لقد آمنت بي إذ كذبني الناس ، وآوتني إذ رفضني الناس ، ورزقت منها الولد وحرمتموه مني قالت : فغدا وراح علي بها شهرا .

                                                                                      قال الواقدي : خرجوا من شعب بني هاشم قبل الهجرة بثلاث سنين ، فتوفي أبو طالب ، وقبله خديجة بشهر وخمسة أيام .

                                                                                      وقال الحاكم : ماتت بعد أبي طالب بثلاثة أيام .

                                                                                      هشام بن عروة عن أبيه ، عن عائشة : ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة ، مما كنت أسمع من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ، وما تزوجني إلا بعد موتها بثلاث سنين . ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب . [ ص: 113 ]

                                                                                      أبو يعلى في " مسنده " سماعنا : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل : حدثنا سهل بن زياد - ثقة - : حدثني الأزرق بن قيس ، عن عبد الله بن نوفل - أو ابن بريدة - عن خديجة بنت خويلد ، قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين أطفالي منك ؟ قال : في الجنة . قالت : فأين أطفالي من أزواجي من المشركين ؟ قال : في النار ، فقلت : بغير عمل ؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين فيه انقطاع .

                                                                                      محمد بن فضيل ، عن عمارة ، عن أبي زرعة ، سمع أبا هريرة ، يقول : أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هذه خديجة أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب ، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب . متفق على صحته .

                                                                                      عبد الله بن جعفر : سمعت عليا : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خير نسائها خديجة بنت خويلد ، وخير نسائها مريم بنت عمران .

                                                                                      أحمد : حدثنا محمد بن بشر : حدثنا محمد بن عمرو : حدثنا أبو سلمة ويحيى بن عبد الرحمن ، قالا : لما هلكت خديجة جاءت خولة بنت حكيم ، امرأة عثمان بن مظعون ، فقالت : يا رسول الله ، ألا تزوج ؟ قال : [ ص: 114 ] ومن ؟ قالت : سودة بنت زمعة ، قد آمنت بك واتبعتك . . . الحديث بطوله وهو مرسل .

                                                                                      قال ابن إسحاق : تتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلاك أبي طالب وخديجة . وكانت خديجة وزيرة صدق . وهي أقرب إلى قصي من النبي صلى الله عليه وسلم برجل . وكانت متمولة ، فعرضت على النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج في مالها إلى الشام ، فخرج مع مولاها ميسرة . فلما قدم باعت خديجة ما جاء به ، فأضعف ، فرغبت فيه ، فعرضت نفسها عليه ، فتزوجها ، وأصدقها عشرين بكرة .

                                                                                      فأولادها منه : القاسم ، والطيب ، والطاهر ، ماتوا رضعا ؛ ورقية ، وزينب ، وأم كلثوم ، وفاطمة .

                                                                                      قالت عائشة : أول ما بدئ به النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة . . . إلى أن قالت : فقال : اقرأ باسم ربك الذي خلق قالت : فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة ، فقال : زملوني . ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال : ما لي يا خديجة ؟ . وأخبرها الخبر ، وقال : قد خشيت على نفسي ، فقالت له : كلا ، أبشر ، فوالله لا يخزيك الله [ ص: 115 ] أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتعين على نوائب الحق . وانطلقت به إلى ابن عمهاورقة بن نوفل بن أسد ، وكان امرأ تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الخط العربي ، وكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا قد عمي ، فقالت : اسمع من ابن أخيك ما يقول ، فقال : يا ابن أخي ، ما ترى ؟ فأخبره ، فقال : هذا الناموس الذي أنزل على موسى الحديث .

                                                                                      قال الشيخ عز الدين بن الأثير : خديجة أول خلق الله أسلم ، بإجماع المسلمين .

                                                                                      وقال الزهري ، وقتادة ، وموسى بن عقبة ، وابن إسحاق ، والواقدي ، وسعيد بن يحيى : أول من آمن بالله ورسوله خديجة ، وأبو بكر ، وعلي رضي الله عنهم . [ ص: 116 ]

                                                                                      قال ابن إسحاق : حدثني إسماعيل بن أبي حكيم ، أنه بلغه عن خديجة أنها قالت : يا ابن عم ، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاءك ؟ فلما جاءه ، قال : يا خديجة ، هذا جبريل ، فقالت : اقعد على فخذي ، ففعل ، فقالت : هل تراه ؟ قال : نعم . قالت : فتحول إلى الفخذ اليسرى ، ففعل . قالت : هل تراه ؟ قال : نعم ، فألقت خمارها ، وحسرت عن صدرها ، فقالت : هل تراه ؟ قال : لا . قالت : أبشر ، فإنه والله ملك ، وليس بشيطان .

                                                                                      قال ابن عبد البر : روي من وجوه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا خديجة ، جبريل يقرئك السلام وفي بعضها : يا محمد ، اقرأ على خديجة من ربها السلام .

                                                                                      عن حذيفة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خديجة سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم في إسناده لين .

                                                                                      حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، قال : وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خديجة حتى خشي عليه ، حتى تزوج عائشة .

                                                                                      معمر ، عن قتادة . وأبو جعفر الرازي ، عن ثابت ، واللفظ لقتادة ، عن [ ص: 117 ] أنس مرفوعا : حسبك من نساء العالمين أربع .

                                                                                      وقال ثابت ، عن أنس : خير نساء العالمين مريم ، وآسية ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة

                                                                                      الدراوردي ، عن إبراهيم بن عقبة ، عن كريب ، عن ابن عباس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم فاطمة ، وخديجة ، وامرأة فرعون آسية .

                                                                                      مجالد ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة ، فتناولتها ، فقلت : عجوز ! كذا وكذا ، قد أبدلك الله بها خيرا منها . قال : ما أبدلني الله خيرا منها ، لقد آمنت بي حين كفر الناس ، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس ، ورزقني الله ولدها ، وحرمني ولد غيرها . قلت : والله لا أعاتبك فيها بعد اليوم .

                                                                                      وروى عروة ، عن عائشة ، قالت : توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة .

                                                                                      قال الواقدي : توفيت في رمضان ، ودفنت بالحجون .

                                                                                      وقال قتادة : ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين وكذا قال عروة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية