الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1716 حديث ثامن لسهيل

مالك ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضافه ضيف كافر ، فأمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشاة فحلبت ، فشرب حلابها ، ثم أخرى فشربه ، ثم أخرى فشربه ، حتى شرب حلاب سبع شياه ، ثم إنه أصبح فأسلم ، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 264 ] بشاة فحلبت ، فشرب حلابها ، ثم أمر بأخرى ، فلم يستتمها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن المؤمن يشرب في معى واحد ، والكافر يشرب في سبعة أمعاء .

التالي السابق


هذا الحديث ظاهره العموم ، والمراد به الخصوص ، وهو خبر خرج على رجل بعينه كافر ، ضاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرض له معه ما ذكر في هذا الحديث ، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه بأنه إذ كان كافرا كان يأكل في سبعة أمعاء ، ولما أسلم أكل في معى واحد ، والمعنى في ذلك أنه كان إذ كان كافرا رجلا أكولا أجوف ، لا يقوم به شيء في أكله ، فلما أسلم بورك له في إسلامه ، فنزع الله من جوفه ما كان فيه من الكلب والجوع وشدة القوة على الأكل ، فانصرفت حاله إلى سبع ما كان يأكل إذ كان كافرا ، فكأنه إذ كان كافرا يأكل سبعة أمثال ما كان يأكل بعد ذلك إذ أسلم ، والله أعلم .

وقد روي أن هذا الرجل الذي أضاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعرض له معه ما ذكر في هذا الحديث هو : جهجاه بن سعيد الغفاري ، وقد ذكرناه وذكرنا خبره في كتاب الصحابة ، ومن طرق حديثه : ما حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا زيد بن الحباب ، قال : حدثنا موسى بن عبيدة ، قال : حدثنا عبيد الله بن أبي عبد الله الأغر ، عن عطاء بن يسار ، عن جهجاه الغفاري أنه قدم في نفر من قومه يريدون الإسلام ، فحضروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب ، فلما سلم ، قال : ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه ، فلم يبق في المسجد غير رسول [ ص: 265 ] الله - صلى الله عليه وسلم - وغيري ، وكنت رجلا عظيما طوالا ، لا يقدم علي أحد ، فذهب بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى منزله ، فحلب لي عنزا فأتيت عليها ، حتى حلب لي سبعة أعنز ، فأتيت عليها ، ثم أتيت بصبيغ برمته فأتيت عليها ، فقالت أم أيمن : أجاع الله من أجاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الليلة ، فقال : مه يا أم أيمن ، أكل رزقه ، ورزقنا على الله فأصبحوا قعودا ، فاجتمع هو وأصحابه ، فجعل الرجل يخبر بما أتى عليه ، فقالجهجاه : حلبت لي سبعة أعنز فأتيت عليها ، وصبيغ برمته فأتيت عليها ، فصلوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب ، فقال : ليأخذ كل رجل منكم جليسه ، فلم يبق في المسجد غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيري ، وكنت رجلا عظيما طويلا ، لا يقدم علي أحد ، فذهب بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى منزله فحلبت لي عنز ، فترويت وشبعت ، فقالت أم أيمن : يا رسول الله ، أليس هذا ضيفنا ؟ قال : بلى ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنه أكل في معى مؤمن الليلة ، وأكل قبل ذلك في معى كافر ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء ، والمؤمن يأكل في معى واحد .

قال أبو عمر :

يحتمل أن الإشارة بالألف واللام في الكافر والمؤمن في هذا الحديث إلى ذلك الرجل بعينه ، وإنما يحملنا على هذا التأويل ; لأن المعاينة - وهي أصح علوم الحواس - تدفع أن يكون ذا عموما في كل كافر ومؤمن ، ومعروف من كلام العرب الإتيان بلفظ العموم ، والمراد به الخصوص ، ألا [ ص: 266 ] ترى إلى قول الله عز وجل ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ) ، وهذه الإشارة في الناس إنما هي إلى رجل واحد أخبر أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن قريشا جمعت لهم وجاء اللفظ كما ترى على العموم ، ومثله ( تدمر كل شيء ) ( ما تذر من شيء أتت عليه ) ، ومثل هذا كثير لا يجهله إلا من لا عناية له بالعلم ، وقد قيل : إنه في كل كافر ، وإنه لموضع التسمية يقل أكله ، وهذا تدفعه المشاهدة ، وعلم الضرورة ، فلا وجه له .

وأما قوله في هذا الإسناد : عبيد الله الأغر ، فليس عبيد الله يعرف بالأغر ، وإنما يعرف بالأغر أبوه - وهو عبيد الله بن سلمان الأغر - وهو عبيد الله بن أبي عبد الله الأغر ، وأبو عبد الله الأغر اسمه سلمان ، والله المستعان .




الخدمات العلمية